مقال

الدكرورى يكتب عن فضائل شهر شعبان ” جزء 3″

جريدة الأضواء

الدكرورى يكتب عن فضائل شهر شعبان ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثالث مع فضائل شهر شعبان، وقوله صلى الله عليه وسلم” شعبان شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان ” فيشير إلى أنه لما اكتنفه شهران عظيمان الشهر الحرام وشهر الصيام، اشتغل الناس بهما عنه، فصار مغفولا عنه، وكثير من الناس يظن أن صيام شهر رجب أفضل من صيام شعبان لأن رجب شهر حرام، وليس كذلك، وفي الحديث السابق إشارة إلى أن بعض ما يشتهر فضله من الأزمان أو الأماكن أو الأشخاص قد يكون غيره أفضل منه، وفيه دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، كما كان طائفة من السلف يستحبون إحياء ما بين العشائين بالصلاة ويقولون هي ساعة غفلة، ومثل هذا استحباب ذكر الله تعالى في السوق لأنه ذكر في موطن الغفلة بين أهل الغفلة، وفي إحياء الوقت المغفول عنه بالطاعة فوائد منها.

 

أن يكون أخفى للعمل وإخفاء النوافل وإسرارها أفضل، وخصوصا الصيام فإنه سرّ بين العبد وربه، ولهذا قيل إنه ليس فيه رياء، وكان بعض السلف يصوم سنين عددا لا يعلم به أحد، فكان يخرج من بيته إلى السوق ومعه رغيفان فيتصدق بهما ويصوم، فيظن أهله أنه أكلهما ويظن أهل السوق أنه أكل في بيته، وكان السلف يستحبون لمن صام أن يُظهر ما يخفي به صيامه، فعن ابن مسعود أنه قال ” إذا أصبحتم صياما فأصبِحوا مدّهنين” وقال قتادة ” يستحب للصائم أن يدّهن حتى تذهب عنه غبرة الصيام ” وكذلك فإن العمل الصالح في أوقات الغفلة أشق على النفوس، ومن أسباب أفضلية الأعمال مشقتها على النفوس لأن العمل إذا كثر المشاركون فيه سهُل، وإذا كثرت الغفلات شق ذلك على المتيقظين، وعن معقل بن يسار رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وسلم قال.

 

“العبادة في الهرج كالهجرة إلي” أي بمعنى العبادة في زمن الفتنة، لأن الناس يتبعون أهواءهم فيكون المتمسك يقوم بعمل شاق، وقد اختلف أهل العلم في أسباب كثرة صيامه صلى الله عليه وسلم، في شعبان على عدة أقوال، ومنها أنه كان صلى الله عليه وسلم، يشتغل عن صوم الثلاثة أيام من كل شهر لسفر أو غيره فتجتمع فيقضيها في شعبان وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عمل بنافلة أثبتها وإذا فاتته قضاها، وقيل إن نساءه صلى الله عليه وسلم، كن يقضين ما عليهن من رمضان في شعبان فكان يصوم لذلك، وهذا عكس ما ورد عن السيدة عائشة رضى الله عنها أنها تؤخر قضاء رمضان إلى شعبان لشغلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصوم، وقيل لأنه شهر يغفل الناس عنه، وهذا هو الأرجح لحديث أسامة السالف الذكر والذي فيه.

 

“ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان رواه النسائى، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا دخل شعبان وعليه بقية من صيام تطوع لم يصمه قضاه في شهر شعبان حتى يستكمل نوافله بالصوم قبل دخول شهر رمضان، كما كان إذا فاته سنن الصلاة أو قيام الليل قضاه فكانت السيدة عائشة حينئذ تغتنم قضاءه لنوافله فتقضي ما عليها من فرض شهر رمضان حينئذ لفطرها فيه بالحيض وكانت في غيره من الشهور مشتغلة بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم، فيجب التنبه والتنبيه على أن من بقي عليه شيء من رمضان الماضي فيجب عليه صيامه قبل أن يدخل رمضان القادم ولا يجوز التأخير إلى ما بعد رمضان القادم إلا لضرورة، مثل العذر المستمر بين الرمضانين، ومن قدر على القضاء قبل شهر رمضان ولم يفعل فعليه مع القضاء بعده التوبة.

 

وإطعام مسكين عن كل يوم، وهو قول الأئمة مالك والشافعي وأحمد، وكان صلى الله عليه وسلم يكثر من القيام في هذا الشهر الكريم لله تعالى، وكان مع ذلك يعلمنا الأدب الجم فيمن يسكن معنا فى بيوتنا إذا أدرنا طاعة الله، تقول السيدة عائشة رضي الله عنها “جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلتي، فنام بجواري وتدثر بلحافي ثم قال “تأذنين لي أن أتعبد لربي في تلك الليلة؟ قالت، فقلت يا رسول الله، إني أحبك ولا أحب فراقك، ولكنى أوثر هواك على هوى نفسى” فإنه الخطاب الجميل الذى لابد أن يكون له رد جميل، فأذنت له، فقام صلى الله عليه وسلم قالت فأطال الخروج فخرجت أبحث عنه فوجدته في البقيع بين المقابر ساجدا يقول “اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، عز جارك، وجل سلطانك، ولا إله غيرك”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى