مقال

الدكروري يكتب عن عدلت شهادة الزور الشرك بالله ” جزء 8″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن عدلت شهادة الزور الشرك بالله ” جزء 8″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثامن مع عدلت شهادة الزور الشرك بالله، وقد ذهب الحنفية، والمالكية عدا أشهب، إلى أن الواجب هو الدّية لا القصاص، لأن القتل بشهادة الزور قتل بالسبب، والقتل تسببا لا يساوي القتل مباشرة، ولذا قصر أثره، فوجبت به الدية لا القصاص، ويجب حد القذف على شهود إذا شهدوا بالزنا، ويقام عليهم الحد، سواء تبيّن كذبهم قبل الاستيفاء أم بعده، ويحدون في الشهادة بالزنا حدّ القذف أولا، ثم يقتلون إذا تبين كذبهم بعد استيفاء الحد بالرجم، وذلك عند الشافعية، لأنهم لم يقولوا بالتداخل في هذه المسألة، وأما عند الجمهور، فإن كان في الحدود قتل، فإنه يكتفى به، لقول أبي مسعود رضي الله عنه “ما كانت حدود فيها قتل إلا أحاط القتل بذلك كله” ولأنه لا حاجةَ معه إلى الزجر بغيره، واستثنى المالكية من ذلك حد القذف، فقد ذكروا أنه لا يدخل في القتل.

 

بل لا بد من استيفائه قبله، وأما عن توبة شاهد الزور، فقد ذهب الحنفية والشافعية، والحنابلة وأبو ثور، إلى أنه إذا تاب شاهد الزور، وأتت على ذلك مدة، فظهر فيها توبته، وتبين صدقه فيها وعدالته، قبلت شهادته، لقول الله سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة آل عمران وسورة النور ” إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا” ولأن النبى الكريم صلى الله عليه وسلم قال ” التائب من الذَّنب كمن لا ذنب له” وذلك لأنه تائب من ذنبه، فقبلت توبته كسائر التائبين، وأن مدة ظهور التوبة عندهم سنة، لأنه لا تظهر صحة التوبة في مدة قريبة، فكان أَولى المدد بالتقدير سنة، لأنه تمر فيها الفصول الأربعة التي تهيج فيها الطبائع، وتتغير فيها الأحوال، وقال البابرتي من الحنفية، مدة ظهور التوبة عند بعض الحنفية ستة أشهر، ثم قال والصحيح أنه مفوض إلى رأي القاضى.

 

وقال المالكية إن كان ظاهر الصلاح حين شهد بالزور، لا تقبل له شهادة بعد ذلك لاحتمال بقائه على الحالة التي كان عليها، وإن كان غير مظهر للصلاح حين الشهادة، ففي قبولها بعد ذلك إذا ظهرت توبته قولان، فاتقوا الله تعالى، واحذروا من الوقوع فيما حرم الله، وابتعدوا عما نهاكم عنه نبيكم الكريم محمد صلوات الله وسلامه عليه فقد تجرأ الكثير من الناس على قول الزور وشهادة الزور، وتجرأ الكثير بهذه الشهادة، إما لينفع شخصا في نظر الشاهد لقرابته أو لصداقته أو لعصبية، أو ليضر شخصا، إما لعداوته، أو من أجل أن يتقرب بها للمسؤول لنفع دنيوى، فما أكثر الشاهدين بهذه الشهادة للأعراض المذكورة، وغيرها من أمور الدنيا التي أنست الكثير من الناس أمور الآخرة، وجرأتهم على الوقوع في المحرمات، ومطاوعة الهوى والنفس والشيطان.

 

وما يدري هذا الشاهد المتجرئ على محارم الله تعالى أنه قد ارتكب بهذه الشهادة عدة محاذير منها الكذب والافتراء، والله سبحانه وتعالى قال فى كتابه الكريم فى سورة غافر” إن الله لا يهدى من هو مسرف كذاب” ومنها أنه ضرّ الذي شهد له وهو يظن أنه ينفعه، حيث ساق إليه المال الحرام بشهادته الباطلة له، فوجبت له النار، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “مَن قضيت له من مال أخيه بغير حق فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من نار” رواه البخارى ومسلم، فحكم الحاكم لا يحل حراما ولا يحرم حلالا، فقد يُنهى النزاع بشهادة كاذبة يظن القاضي أنها صحيحة، فليس له إلا الظاهر، وهي في الباطن كاذبة، شهادة زور تحمل شاهدها ذلك، وتجرأ المشهود على أخذ الحرام بتلك الشهادة الكاذبة، فالحرام حرام لا تحله الشهادة الكاذبة.

 

وإن من المحاذير التي ارتكبها الشاهد شهادة الزور، إنه ظلم المشهود عليه، فأخذ ماله، أو عرضه، أو نفسه بتلك الشهادة الكاذبة، ومنها أنه أباح ما حرم الله تعالى وعصمه من المال والدم والعرض وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور” فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت” رواه البخارى، وفي الأثر كما فى الكبيرة الثامنة عشرة عدلت شهادة الزور الشرك بالله تعالى مرتين وقال تعالى فى كتابه الكريم ” فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور” فما أعظم ضرر شهادة الزور على المجتمع لما يترتب عليها من مفاسد وارتكاب المحرمات، وما تحدثه من حقد وضغائن، وانتشار للفوضى، وبلبلة أفكار، ووقوع في الرذائل وبُعد عن الفضائل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى