مقال

الدكروري يكتب عن الإمام إبن سيد الناس ” جزء 7″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام إبن سيد الناس ” جزء 7″

 

بقل / محمـــد الدكـــروري

ونكمل الجزء السابع مع الإمام إبن سيد الناس، والخلل الصادر عن غفلة اعترت النقل أو وهلة اعترضت الفهم، فيما صدر عن قريحتي القريحة من النثر والنظم، وفيما تراه من استبدال لفظ بغيره مما لعله أنجى من المرهوب، أو أنجع في نيل المطلوب، أو أجرى في سنن الفصاحة على الأسلوب، وقد أجزت لك إجازة خاصة يرى جوازها بعض من لا يرى جواز الإجازة العامة أن تروي عني ما لي من تصنيف أبقيته، في أي معنى انتقيته، تبركاً بالدخول في هذه الحلبة، وتمسكا باقتفاء السلف في ارتقاء هذه الرتبة، واقبالا من نشر السنة على ما هو أمنية المتمني، وامتثالا لقول رسول الله صلي الله عليه وسلم “بلغوا عني” وعلى خلاف أغلب علماء عصره لم يكن فتح الدين ابن سيد الناس على وفاق مع متصوفة عصره، وذلك لأن أغلبهم اتخذوا التصوف حرفة ومظاهر.

وأصبحت الموالد التي يقيمونها مواسم للفساد والمعاصي، كما يذكرذلك المؤرخون، وله فيهم أبيات هجو مقذعة، ومما قاله يعيب عليهم الموالد فيقول يا عصبة ما ضرّ دين محمد، وسعى إلى إفساده إلا هي، دف ومزمار ونغمة شادن، أرأيت قط عبادة بملاه؟ ويورد مؤرخو تلك الحقبة إلى أمور يأخذونها على فتح الدين ابن سيد الناس، وقد سبق قول الإمام الذهبي عنه عليه مآخذ في دينه وهديه، وقال كمال الدين الأدفوي، في البدر السافر، وخالط أهل السفه وشُرّاب المدام، فوقع في الملام، ورُشق بسهام الكلام، والناس مقارن، والقرين يكرم ويهان باعتبار المقارن، ثم قال بعد ذلك ولم يخلف بعده في القاهرة ومصر من يقوم بفنونه مقامه، ولا من يبلغ في ذلك مرامه، أعقبه الله السلامة في دار الإقامة، وهذه المزاعم لا تنسجم مع ما استعرضناه من علمه وفضله.

ولعلها عائدة إلى اختلاطه ببعض الأمراء الذين يرى بعض العلماء الابتعاد عنهم بل مقاطعتهم، ولعلها عائدة إلى خروجه أحيانا عما يلتزم العلماء به من وقار ورزانة، لأن الصفدي يقول عنه ولو كان اشتغاله بقدر ذهنه كان قد بلغ الغاية القصوى، ولكنه كان فيه لعب، على أنه ما خلف مثله لإنه كان متناسب الفضائل، وقد جاء الجواب على هذه المزاعم عند وفاته رحمه الله، فقد وافته منيته دون أن يكون معروفا عند ملك مصر آنذاك الملك الناصر محمد بن قلاوون، والذي أمضى في الحكم بضعا وعشرين سنة قبل ذلك، فقد روى المؤرخون أن الملك الناصر رأى جنازته حافلة، فسأل القاضي الشافعي جلال الدين القزويني عنه، فذكر له مقداره، وكان الأمير ناظر الجيوش يكره ابن سيد الناس، فقال للناصر إنه كان مع ذلك يعاشر الأمراء والوزراء قديما، ويشرب عندهم.

فذكر ذلك الناصر لجلال الدين القزويني وللقاضي المالكي تقي الدين الأخنائي، فبرآه من ذلك وشهدا بعدالته ونزاهته وعفته، وقيل أنه لا يوجد في كتب التراجم المتوفرة ذكرا لزواج أو أولاد فتح الدين ابن سيد الناس، وهي تلم لماما بذكر إخوته، ثم لا نجد بعده ذكرا لأفراد بارزين من أسرة ابن سيد الناس هذه في العلم أو الأدب أو السياسة، فكأنها انتهت بوفاته، ولله عاقبة الأمور، وكان ابن سيد الناس شاعرا بالبديهة، لم يدرس العروض على شيخ، بل درسه بنفسه في أسبوع فتعلمه وألف فيه مصنفا، وكان يتمتع بروح لطيفة ونفس شاعرية، ولذا كانت أشعاره رقيقة رائقة، منسجمة الألفاظ، مع جودة بديهته، وكان غزله أفضل من مديحه، ومن ذلك قوله في أول قصيدة مديح فيقول تعلقها وما عقد التمائم، وشاب وحبُها في القلب دائم، وطارحها الغرام بها فقالت علمت، فقال ماذا فعل عالم؟

وكان أبو الفتح يحمل كعامة أعلام أهل عصره لقبا عرف به هو فتح الدين، كما عرف بكنيتين، أولاهما ابن سيد الناس، وهي كنية مستمدة من اسم جده الحادي عشر ويشاركه فيها من أسرته، والده أبو عمرو، وجده أبو بكر، وأخوه أبو سعد محمد وأبو القاسم محمد، لكنها إذا أطلقت لا تكاد تنصرف إلا إليه عند المؤلفين، ولهذا حرص كل من ترجم له على ختم نسبه بعبارة المعروف بابن سيد الناس، وأما كنيته الثانية فهي أبو الفتح، حيث كناه بها شيخه المسند عبد اللطيف بن عبد المنعم ابن علي، المعروف بالنجيب الحراني، وذلك سنة مولده، حين أحضره والده شيخه المسند في مجلس الحديث، فاشتهر بها بين مشايخه وأقرانه، ولذلك نرى شيخه ابن دقيق العيد، يناديه بها في درسه حين يتوجه بسؤال إليه، بالإضافة إلى أنها الكنية التي تميزه عن بقية أفراد أسرته إذا لم تكن ثمة قرائن أخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى