دين ودنيا

الدكروري يكتب عن رابطة الصدق بالإيمان ” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن للصدق مكانة عظيمة ومنزلة كبيرة بين مكارم الأخلاق، فالصدق مرتبط بالإيمان، ويكفي الصدق شرفا وفضلا أن مرتبة الصديقية تأتي في المرتبة الثانية بعد النبوة، فقال تعالى “ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا” والصديقيين، هم الذين كمل تصديقهم بما جاءت به الرسل الكرام، فعلموا الحق وصدقوه بيقينهم وبالقيام به قولا وعملا وحالا ودعوة إلى الله عز وجل، وأن الصدق سمة من سمات الأنبياء والمرسلين، وجميع عباد الله الصالحين، وقد أنزل الله تعالي في شأن الصادقين معه آيات تتلى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فقد ثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن عمه أنس بن النضر لم يشهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فشق ذلك على قلبه.

 

وقال أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عنه، أما والله، لئن أراني الله مشهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرينّ الله ما أصنع؟ قال فشهد أحدا في العام القابل، فاستقبله سعد بن معاذ، فقال يا أبا عمر، إلى أين؟ فقال واها لريح الجنة إني أجد ريحها دون أحُد، فقاتل حتى تم قتلة، فوُجد في جسده بضع وثمانون ما بين رمية وضربة وطعنة، فقالت أخته الربيع بنت النضر ما عرفت أخي إلا ببنانه، فنزلت هذه الآية من سورة الأحزاب ” من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه” رواه البخاري، وعندما تجهز النبي صلى الله عليه وسلم لغزوة تبوك وغزوة تبوك كانت في حرارة الصيف، وفي شدة الحر وفي وهج الشمس، فخرج إليها النبي صلى الله عليه وسلم، ونادى في الناس، فخرج معه ما يقارب الثلاثين ألفا من أصحابه رضوان الله عليهم.

 

وقبل المعركة أراد صلى الله عليه وسلم أن يجهز الجيش، فما وجد عليه الصلاة والسلام مالا، فصعد المنبر ودعا إلى التبرع ورغب في البذل والعطاء وقال صلي الله عليه وسلم “من يجهز جيش تبوك وله الجنة؟ فوقف عثمان بن عفان وقال أنا يا رسول الله، فدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم وقال اللهم اغفر لعثمان ما تقدم من ذنبه وما تأخر، اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض، ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم” ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن لما خرج في حرارة الصيف نظر بعض الصحابة فرأوا أن الثمار قد دنت في المدينة ورأوا أن الراحة في البيوت أحسن من الحر فجلسوا، وإن الذين تخلفوا عن الغزوة ثلاثة وثمانون رجلا، لم يسجلهم صلى الله عليه وسلم في كتاب، ولم يكتبهم في ديوان، أما ثمانون فكذبوا على الله، فأنزل الله عز وجل في سورة التوبة.

 

” ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين” والرسول عليه الصلاة والسلام كان يمشي مع أصحابه مشيا على الأقدام، في حرارة الصيف، وفي ظمأ ونصب وجوع، ومشقة لا يعلمها إلا الله، ثم جاء الجد بن قيس أحد المنافقين، فقال يا رسول الله ائذن لي ألا أخرج معك إلى تبوك، قال ولماذا؟ قال أنا رجل مفتون، فإذا رأيت بنات بني الأصفر افتتنت، أي بنات الروم، وهو كذب على الله، وقال المنافقون يوصي بعضهم بعضا كما جاء في سورة التوبة ” لا تنفروا في الحر” اطلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتأخر، لا تنفروا في الحر، فرد الله عليهم، كما جاء في سورة التوبة ” قل نار جهنم أشد حرا” فخرج عليه الصلاة والسلام، وكان كعب بن مالك صادق الإيمان لكنه تخلف، فيقول عن نفسه قلت أتهيأ غدا وألحق بالرسول صلى الله عليه وسلم.

 

وهذه خطيئة قال عنها الله عز وجل في سورة التوبة ” ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه” وكيف يخرج رسول الله صلي الله عليه وسلم ويتخلف هؤلاء؟ وهذا خطأ لا يقر، فتخلف رضي الله عنه، يقول أتهيأ غدا، وذهب صلى الله عليه وسلم فلما أصبح في الصحراء، يقول فقمت غدا لأتهيأ فثبّطني الشيطان فجلست، ومشى رسول الله صلي الله عليه وسلم حتى اقترب من تبوك فنزل في الجيش وهو ما يقارب الثلاثين ألفا، ولما نزل قبل تبوك نزل عند شجر بجيشه العظيم صلى الله عليه وسلم وفي أثناء الجلوس قال للصحابة “أين كعب بن مالك؟ لم يذكره صلى الله عليه وسلم إلا عند تبوك فقال رجل من بني سلمة من قرابة كعب بن مالك يا رسول الله حبسه برداه ونظره في عطفيه، فانبرى له معاذ رضي الله عنه وأرضاه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى