مقال

الدكروري يكتب عن الإمام الخراشي ” جزء 1″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام الخراشي ” جزء 1″
بقلم / محمـــد الدكـــروري

الإمام الخراشي هو الإمام الشيخ أبو عبد الله محمد بن جمال الدين عبد الله بن علي الخرشي المالكي، هو أول إمام للجامع الأزهر الشريف وهو أحد كبار العلماء المسلمين، ولد الشيخ الخراشي سنة أالف وعشرة من الهجرة، الموافق ألف وستمائة وواحد ميلادي، وأقام بالقاهرة، وتوفي ودُفن فيها سنة ألف وستمائة وتسعين ميلادي، وقد سمي بالخراشي وعُرف كذلك بالخرشي، وذلك نسبة إلى قريته التي ولد بها،وهي قرية أبو خراش، التابعة لمركز الرحمانية بمحافظة البحيرة بجمهورية مصر العربية، وضبطه بعضهم بإسم الخراشي، بفتح الخاء، وبعضهم بكسرها، ولكن الأصح أنها بالفتح، وقال الزبيدي في تاج العروس عنه هو شيخ مشايخنا أبو عبد الله الخراشي من قرية أبي خراش كسحاب، ولم ينل الشيخ الخراشي شهرته الواسعة هذه إلا بعد أن تقدمت به السن.

ولذلك لم يذكر أحد من المؤرخين شيئا عن نشأته، وتلقى الشيخ الخراشي تعليمه على يد نخبة من العلماء والأعلام، مثل والده الشيخ جمال الدين عبد الله بن علي الخراشي الذي غرس فيه حبا للعلم وتطلعا للمعرفة، كما تلقى العلم على يد الشيخ العلامة إبراهيم اللقاني، وكلاهما الشيخ اللقاني ووالده الخراشي، تلقى معارفه وروى عن الشيخ سالم السنهوري عن النجم الغيطي عن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري عن الحافظ ابن حجر العسقلاني بسنده عن البخاري، كما تلقى الخراشي أيضا العلم على أيدي الشيخ الأجهوري، والشيخ يوسف الغليشي، والشيخ عبد المعطي البصير، والشيخ ياسين الشامي، وغيرهم من العلماء والمشايخ الذين رسموا لحياته منهجا سار على خطواته حتى توفاه الله، وقد درس الشيخ محمد بن عبد الله الخرشي علوم الأزهر المقررة حينئذ مثل التفسير، والحديث.

والتوحيد، والتصوف، والفقه، وأصول الفقه، وعلم الكلام، والنحو، والصرف، والعروض، والمعاني والبيان، والبديع والأدب، والتاريخ، والسيرة النبوية، وأيضا درس علوم المنطق، والوضع والميقات، ودرس أمهات الكتب في كل هذه العلوم السالفة الذكر على أيدي شيوخ عظماء بعلمهم وخلقهم، وقد ظل الشيخ عشرات السنين يعلم ويتعلم، ويفيد ويستفيد من العلم والعلماء، وظل يروي طيلة حياته ويروى عنه، وبات يضيف ويشرح ويعلق على كل ما يقع بين يديه وتقع عيناه، فأفاد بلسانه وقلمه جمهرة كبيرة من العلماء الذين كانوا يعتزون به وبالانتماء إليه، والنهل من علمه الغزير، ومعرفته الواسعة، وكان الشيخ الخرشي متواضعا عفيفا، واسع الخلق، كثير الأدب والحياء، كريم النفس، حلو الكلام، يُسخر نفسه لخدمة الناس وقضاء حاجاتهم بنفسه، واسع الصدر.

تعلم على يديه طلاب العلم من شتى بقاع الأرض يسألونه ويستمعون إليه ويناقشونه دون ضيق منه أو تذمر، رحب الأفق لا يمل ولا يسأم، وكان الشيخ واسع العلم متنوع الثقافة، وخاصة في تفسير القرآن الكريم، وفي الفقه على مذهب الإمام مالك بن أنس، لذا ترك مكتبة عربية وإسلامية ثرية بمؤلفاته التي امتلأت باللآلئ والجواهر، قلما يوجد لها مثيل، ومن كتبه هي رسالة في البسملة، وهو شرح لهذه الآية الكريمة، والشرح الكبير على متن خليل، في فقه المالكية، في ثمانية مجلدات، والشرح الصغير لمختصر خليل على متن خليل أيضا، في أربعة مجلدات، ومنتهى الرغبة في حل ألفاظ النخبة، وهو شرح لكتاب نخبة الفكر للعلامة ابن حجر العسقلاني، في مصطلح الحديث، والفرائد السنية في حل ألفاظ السنوسية في التوحيد، والأنوار القدسية في الفرائد الخراشية، وهو شرح للعقيدة السنوسية الصغري.

المسماة أم البراهين، وحاشية على شرح الشيخ على إيساغوجي في المنطق، وهو من أشهر كتب المنطق، وكان من تلاميذ الشيخ الخرشي الشيوخ أحمد اللقاني، ومحمد الزرقاني، وعلي اللقاني، وشمس الدين اللقاني، وداود اللقاني، ومحمد النفراوي، وأحمد النفراوي، والشبراخيتي، وأحمد الفيومي، وعبد الباقي القليني الذي تولى مشيخة الأزهر وأصبح رابع المشايخ وإبراهيم بن موسى الفيومي، سادس مشايخ الأزهر، وأحمد المشرفي، والشيخ علي المجدولي، والشيخ أبو حامد الدمياطي، والعلامة شمس الدين البصير السكندري، وأبو العباس الديربي صاحب المؤلفات القيمة والعديدة، وتتلمذ على يديه الشيخ إبراهيم بن موسى الفيومي الذي أصبح شيخا للأزهر، وقال عنه الشيخ علي الصعيدي العدوي المالكي في حاشيته التي جعلها على شرحه الصغير لمتن خليل.

هو العلامة الإمام والقدوة الهمام، شيخ المالكية شرقا وغربا، قدوة السالكين عجما وعربا، مربي المريدين، كهف السالكين، سيدي أبو عبد الله بن علي الخراشي، وانتهت إليه الرياسة في مصر حتى إنه لم يبقي بها في آخر عمره إلا طلبته، وطلبة طلبته، وكان متواضعا عفيفا، واسع الخلق، كثير الأدب والحياء، كريم النفس، جميل المعاشرة، حلو الكلام، كثير الشفاعات عند الأمراء وغيرهم، مهيب المنظر، دائم الطهارة، كثير الصمت، كثير الصيام والقيام، زاهدا، ورعا، متقشفا في مأكله وملبسه ومفرشه وأمور حياته، وكان لا يصلي الفجر صيفا ولا شتاء إلا بالجامع الأزهر، ويقضي بعض مصالحه من السوق بيده، وكذلك مصلحة بيته في منزله، ويقول عنه من عاشره ما ضبطنا عليه ساعة هو فيها غافل عن مصالح دينه أو دنياه، وكان إذا دخل منزله يتعمم بشملة صوف بيضاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى