مقال

الدكروري يكتب عن الإمام الطبري ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام الطبري ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــروري

ونكمل الجزء الثاني مع الإمام الطبري، وكان الطبري على جانب كبير من الورع والزهد والحذر من الحرام، والبُعد عن مواطن الشبه، واجتناب محارم الله تعالى، والخوف منه، والاقتصار في المعيشة على ما يرده من ريع أرضه وبستانه الذي خلفه له والده، حيث قال ابن كثير وكان من العبادة والزهادة والورع والقيام في الحق لا تأخذه في ذلك لومة لائم، وكان من كبار الصالحين وكان الطبري زاهدا في الدنيا، غير مكترث بمتاعها ومفاتنها، وكان يكتفي بقليل القليل أثناء طلبه للعلم، وبما يقوم به أوده، ويمتنع عن قبول عطايا الملوك والحكام والأمراء، وكما كان الطبري عفيف اللسان، يحفظه عن كل إيذاء، وكان متوقفا عن الأخلاق التي لا تليق بأهل العلم ولا يؤثرها إلى أن مات، ولما كان يناظر مرة داود بن علي الظاهري في مسألة، فوقف الكلام على داود، فشق ذلك على أصحابه.

فقام رجل منهم، وتكلم بكلمة مضة وموجعة لأبي جعفر، فأعرض عنه، ولم يرد عليه، وترفع عن جوابه، وقام من المجلس، وصنف كتابا في هذه المسألة والمناظرة، وكان الطبري عفيف النفس أكثر من ذلك، فهو مع زهده لا يسأل أحدا، مهما ضاقت به النوائب، ويعف عن أموال الناس، ويترفع عن العطايا، وكما كان الطبري شديد التواضع لأصحابه وزواره وطلابه، دون أن يتكبر بمكانته، أو يتعالى بعلمه، أو يتعاظم على غيره، فكان يُدعى إلى الدعوة فيمضي إليها، ويُسأل في الوليمة فيجيب إليها، وكان لا يحمل الحقد والضغينة لأحد، وله نفس راضية، يتجاوز عمن أخطأ في حقه، ويعفو عمن أساء إليه، وكان محمد بن داود الظاهري قد اتهم الطبري بالأباطيل، وشنع عليه، وأخذ بالرد عليه لأن الطبري ناظر والده، وفند حججه، ورد آراءه، فلما التقى الطبري مع محمد بن داود تجاوز عن كل ذلك.

وأثنى على علم أبيه، حتى وقف الولد عن تجاوز الحد، وإشاعة التهم على الطبري، ومع كل هذا التواضع، وسماحة النفس، والعفو والصفح، كان الطبري لا يسكت على باطل، ولا يمالئ في حق، ولا يساوم في عقيدة أو مبدأ فكان يقول الحق، ولا تأخذه في الله لومة لائم، ثابت الجنان، شجاع القلب، جريئا في إعلان الصواب مهما لحق به من أذى الجهال، ومضايقة الحساد، وتخرصات الحاقدين، وكان الطبري أحد أبرز العلامات في عصره، وقد حضر مجالسه العديد من أبرز علماء عصره وتتلمذوا على يده، ومن هؤلاء أحمد بن كامل القاضي، ومحمد بن عبد الله الشافعي، ومخلد بن جعفر، وأحمد بن عبد الله بن الحسين الجُبْني الكبائي، وأحمد بن موسى بن العباس التميمي، وعبد الله بن أحمد الفرغاني، وعبد الواحد بن عمر بن محمد أبو طاهر البغدادي البزاز.

ومحمد بن أحمد بن عمر أبو بكر الضرير الرملي، ومحمد بن محمد بن فيروز، وتعلم على يده كثير غيرهم، وكان من مؤلفاته هو تفسير الطبري المسمى بجامع البيان عن تأويل آي القرآن، وتاريخ الطبري وهو تاريخ الأمم والملوك أو تاريخ الرسل والملوك، والتبصير في معالم الدين، وكتاب آداب النفس الجيدة والأخلاق النفيسة، واختلاف علماء الأمصار في أحكام شرائع الإسلام، وصريح السنة وهو يوضح فيه مذهبه وعقيدته، والفصل بين القراءات، وآداب القضاة، وآداب النفوس، وآداب المناسك، وتهذيب الآثار، وفضائل أبي بكر وعمر ما، وذيل المذيل، وقد تعرض الطبري لمحنة شديدة في أواخر حياته، فلقد وقعت ضغائن ومشاحنات بين ابن جرير الطبري ورأس الحنابلة في بغداد أبي بكر بن داود أفضت إلى اضطهاد بعض الحنابلة لابن جرير، وتعصب العوام على ابن جرير.

ورموه بالتشيّع وغالوا في ذلك، حتى منعوا الناس من الاجتماع به، وظل ابن جرير محاصرا في بيته حتى توفي، ويُقال في سبب عداء بعض الحنابلة للطبري أنه أغفل في كتابه اختلاف الفقهاء ذكر أحمد بن حنبل، في حين أنه ذكر كثيرا من الفقهاء أمثال أبي حنيفة والشافعي ومالك والأوزاعي وغيرهم، فلما سئل عن سبب إهماله أجاب سائليه لم يكن ابن حنبل فقيها وإنما كان مُحدثا ومع ذلك، فالطبري لم يقلل من شأن ابن حنبل، بل أعلى من شأنه كثيرا، وتابعه في موقفه من محنة خلق القرآن، وفي كتاب للطبري، عنوانه صريح السنة يقول ما نصه “وأما القول في ألفاظ العباد بالقرآن، فلا أثر حديث فيه نعلمه عن صحابي مضى، ولا تابعي قضى، إلا عمن في قوله الغناء والشفاء رحمة الله عليه ورضوانه، وفي اتباعه الرشد والهدى، ومن يقوم قوله لدينا مقام قول الأئمة الأولى أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، رضي الله عنه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى