مقال

الدكروري يكتب عن فضل العشر الأواخر من رمضان ” جزء 14″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن فضل العشر الأواخر من رمضان ” جزء 14″

بقلم/ محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الرابع عشر مع فضل العشر الأواخر من رمضان، فقد قال ربكم عز شأنه فيقول تعالى فى سورة البقرة” وإذا سألك عبادى عنى فإنى قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لى وليؤمنوا بى لعلهم يرشدون” أتعلمون من هؤلاء العباد؟ فإن الخلائق كلهم عباد الله، ولكن هؤلاء عباد مخصوصون، إنهم العباد من أهل الدعاء، عباد ينتظرون الإجابة، إنهم السائلون المتضرعون، سائلون مع عظم رجاء، ومتضرعون فى رغبة وإلحاح، فإن للدعاء شأنا عجيبا، وأثرا عظيما، في حسن العاقبة، وصلاح الحال والمآل، والتوفيق في الأعمال، والبركة فى الأرزاق، فأرأيتم هذا الموفق الذى أدركه حظه من الدعاء، ونال نصيبه من التضرع والالتجاء، يلجأ إلى الله في كل حالاته، ويفزع إليه فى جميع حاجاته، يدعو ويدعى له، نال حظه من الدعاء بنفسه وبغيره.

 

والداه الشغوفان وأبناؤه البررة والناس من حوله كلهم يحيطونه بدعواتهم، أحبه مولاه فوضع له القبول، فحَسُن منه الخلق وزان منه العمل، فامتدت له الأيدى وارتفعت له الألسُن تدعو له وتحوطه، ملحوظ من الله بالعناية والتسديد، وبإصلاح الشأن مع التوفيق، فأين هذا من محروم مخذول لم يذق حلاوة المناجاة، يستنكف عن عبادة ربه، ويستكبر عن دعاء مولاه؟ ومحروم سد على نفسه باب الرحمة، واكتسى بحجب الغفلة، فإن نزع حلاوة المناجاة من القلب أشد ألوان العقوبات والحرمان، ألم يستعذ النبي صلى الله عليه وسلم من قلب لا يخشع، وعين لا تدمع، ودعاء لا يسمع؟ فإن أهل الدعاء الموفقين حين يعُجون إلى ربهم بالدعاء يعلمون أن جميع الأبواب قد توصد فى وجوههم إلا باب واحد هو باب السماء، فإنه باب مفتوح لا يغلق أبدا، فتحه من لا يرد داعيا، ولا يخيب راجيا.

 

فهو غياث المستغيثين، وناصر المستنصرين، ومجيب الداعين، فيا أيها المجتهدون يجتمع فى هذه الأيام أوقات فاضلة، وأحوال شريفة، العشر الأخيرة، جوف الليل من رمضان، والأسحار من رمضان، دبر الأذان والمكتوبات، أحوال السجود وتلاوة القرآن، مجامع المسلمين في مجالس الخير والذكر، كلها تجتمع في أيامكم هذه، فأين المتنافسون؟ فاجتهدوا بالدعاء، سلوا ولا تعجزوا، ولا تستبطئوا الإجابة، فيعقوب عليه السلام فقد ولده الأول ثم فقد الثانى فى أزمنة متطاولة، ما زاده ذلك بربه إلا تعلقا فقال تعالى فى وصفه قائلا فى سورة يوسف ” عسى الله أن يأتينى بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم” وهذا نبي الله زكريا عليه السلام، كبر سنه، واشتعل بالشيب رأسه، ولم يزل عظيم الرجاء في ربه، حتى قال محققا ” ولم أكن بدعائك رب شقيا” فلا تستبطئ الإجابة.

 

فربك يحب تضرعك وصبرك ورضاك بأقداره، رضا بلا قنوط، يبتليك بالتأخير لتدفع وسواس الشيطان، وتصرف هاجس النفس الأمارة بالسوء، وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم “يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول دعوت فلم يستجب لي” ويجمل الدعاء وتتوافر أسباب الخير ويعظم الرجاء حين يقترن بالاعتكاف، فقد اعتكف رسول الله هذه الأيام حتى توفاه الله، فإنه عجيب هذا الاعتكاف في أسراره ودروسه، فإن المعتكف ذكرُ الله أنيسه، والقرآن جليسه، والصلاة راحته، ومناجاة الحبيب متعته، والدعاء والتضرع لذته، فإذا أوى الناس إلى بيوتهم وأهليهم، ورجعوا إلى أموالهم وأولادهم لازم هذا المعتكف بيت ربه وحبس من أجله نفسه، ويقف عند أعتابه يرجو رحمته ويخشى عذابه، لا يطلق لسانه فى لغو، ولا يفتح عينه لفحش، ولا تتصنت أذنه لبذاء، سلم من الغيبة والنميمة.

 

جانب التنابز بالألقاب والقدح في الأعراض، استغنى عن الناس وانقطع عن الأطماع، علم واستيقن أن رضا الناس غاية لا تدرك، فإن فى درس الاعتكاف انصرف المتعبد إلى التفكير في زاد الرحيل، وأسباب السلامة، السلامة من فضول الكلام، وفضول النظر، وفضول المخالطة، وإن فى مدرسة الاعتكاف يتبين للعابد أن الوقت أغلى من الذهب، فلا يبذله في غير حق، ولا يشترى به ما ليس بحمد، يحفظه عن مجامع سيئة، بضاعتها الغيبة والنميمة، فإن أوقاتكم فاضلة تشغل بالدعاء والصلاة وقراءة القرآن وذكر الله وغيرها من العبادات، وتستغل فيها فرص الخير، وإن من أعظم ما يرجى فيها ويتحرى ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر، من قامها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، فإنها ليلة خير من ألف شهر، خفي تعيينها اختبارا وابتلاء، ليتبين العاملون وينكشف المقصرون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى