مقال

الإنسان والإيمان

جريدة الاضواء

الإنسان والإيمان

يكتبه/ محمد شبكة

كان الإنسان في دوره الأول مطبوعا على الإيمان ، فلم يكن للشبهات والشكوك سلطان عليه ، وكيف يشك فيما يحس في ذاته ، ويشعر بالدافع له إليه ، ولكن لما ابتدأت قوى التعقل تسوق الإنسان إلى التملى بمجالى هذه الطبيعة الباهرة ؛ وتبعثه للحكم عليها بقدر ما وهب من قدرة التميز ؛ أخذ قبل كل شئ يبحث في موضوع عبوديته ؛ وطفق يسمو بروحانياته ، ليدرك ذات المتصرف في هذا الكون العجيب ، فجال في هذا المبحث العظيم جولة الطفل ، تشغله ملهيات الظواهر عن حقائق البواطن ، وتستوقفه بهارج الأعراض ، عن النفوذ إلى الجواهر ، وناهيك بعقل البسطاء من سكان الكهوف ، فهب يشخص إلهه على مقتضى حواسه الشخصية ؛ وخصائصه الذاتية ، ثم أخرج تلك الصورة من حيز الخيال ، إلى حيز الظهور ، فاتخذ الأصنام والتماثيل ، وملأ بها المعابد ، وكلف نفسه تقديم الهدايا والذبائح إليها ، وإقامة الحفلات والولائم لها ، وصار يرقى معبوده في الشكل والخصائص ، كلما إرتقى درجة في التصور ، حتى انتهى حالها من جمال الصنع ، ورشاقة الوضع ، إلى ما وصلت إليه عند قدماء اليونانيين و الرومانيين ، في هذا الدور دور التخيل والتعقل ، كان الله تعالى يرسل رسله تترى ، إلى الأمم بالعقيدة النقية ، الخالصة من شوب الظنون ، وكدر الخيالات ، ليخلع الناس ذلك النبر الثقيل الذى ألبسوه أنفسهم ، فما كان يهتدي منهم إلا الذين استعدت أفئدتهم لقبول ذلك النور ؛ وقليل ما هم .

عرف الإنسان في كل زمان ومكان بشدة الكلف بدينه ، وعظم التمسك بمعتقداته ، فكان يدافع عنها دفاع المستميت البائس ، وينتصر لها إنتصار المهضوم حقه ، المصاب في عرضه ، ولا يتأخر في إلحاق الضرر بالساعين في تهذيبه ، حتى قتل بهذه الحجة الكثير من الأنبياء ، وألوفا من الحكماء وأصحاب البصر ، وعد قتلهم نصرة للدين الحق على الأباطيل ، ظل الإنسان ينسج على هذا المنوال العدائى ضد عقلاء أفراده ، حتى تفجرت ينابيع الحكمة في باحات القلوب ، ولطفت احساسات الناس نوعا ، بواسطة تلك العوامل التي خلقها الله تعالى لإيقاظ هذا النوع ، فتبين لهم أن الوثنية عبئ ثقيل على المدارك ، واتضح لهم أنها بنت الخيال ونبت الضلال ، فأفردوا للكون إلها واحدا ، وعزوا إليه من الصفات منتهى ما وصلت إليه مداركهم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى