مقال

شهر رجب وذكري الإسراء والمعراج ” جزء 7″

شهر رجب وذكري الإسراء والمعراج ” جزء 7″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء السابع مع شهر رجب وذكري الإسراء والمعراج، ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة ليستأنف الدعوة إلى الله، وعرض الإسلام وإبلاغ الرسالة للوفود والقبائل والأفراد، وإن المتأمل في رحلة النبي صلى الله عليه وسلم الشاقة للطائف، وما لاقاه من أذى ليجد فيها الدروس الكثيرة للدعاة والمربين، ومنها رحمة الداعية، فقد أظهرت رحلة الطائف الشاقة بصورة عملية، معاني الرحمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن آذاه، إذ كان بوسعه أن ينتقم من السفهاء الذين آذوه، ومن زعمائهم الذين أغروا به، وسلطوا عليه صبيانهم وسفهاءهم، فقد سألت السيدة عائشة بنت أبى بكر رضي الله عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلة ” يا رسول الله، هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ فقال صلى الله عليه وسلم” لقد لقيت من قومك ما لقيت”

 

وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب وهو ميقات أهل نجد، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني، فقال إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، ولقد أرسل إليك ملَك الجبال لتأمره بما شئت، فناداني ملك الجبال وسلم عليَّ، ثم قال يا محمد، إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملَك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فيما شئت؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين أى الجبلين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم” بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا” رواه البخاري، ولقد كانت إصابة النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد أبلغ من الناحية الجسدية.

 

أما من الناحية النفسية فإن إصابته يوم الطائف أبلغ وأشد، ومع ذلك رفض إهلاك من آذاه، فقد كانت نظرة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم نظرة مستقبلية فيها رحمة لأعدائه ومن آذاه، بل وأمل في هدايتهم، فأهل الطائف يؤذونه، ويدفعون أنفسهم في النار، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حريص عليهم، رحيم بهم، قائلا ” بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا” ولم يكن هذا الموقف موقفا عارضا في حياته صلى الله عليه وسلم، فقد فعل ذلك أيضا قبل ذلك مع قبيلة دوس عندما رفضوا الإسلام، فقال صلى الله عليه وسلم “اللهم اهد دوسا وآت بهم” رواه البخارى، وصدق الله العظيم الذي قال عنه فى سورة الأنبياء ” وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” وهذا الموقف مع ما فيه من درس عملي في رحمة الداعية وشفقته بالمدعو.

 

وعدم تعجل نزول العقاب بمن لا يستجيب لدعوته، فيه أيضا دلالة على نبوته صلى الله عليه وسلم فقد تحقق بالفعل ما أخبر به من إسلام أبناء المشركين فيما بعد، حين قال صلى الله عليه وسلم” بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا” رواه البخاري، ومن خلال رفض النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لمقترح ملَك الجبال بإهلاك من تعرض له بالأذى، وضع لنا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم منهجه في التغيير، وهذا من الدروس الهامة من هذه الرحلة الشاقة، إذ كان مقترح ملَك الجبال أن يطبق عليهم الجبلين، وهو يدخل تحت منهج الاستئصال، وقد نفذ في قوم نوح وعاد وثمود ولوط عليهم السلام، فقال الله تعالى كما جاء فى سورة العنكبوت” فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة.

 

ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون” ولكن النبي صلى الله عليه وسلم رفض ذلك، ونظر إلى المستقبل بيقين، وبروح التفاؤل والرحمة والشفقة قائلا صلى الله عليه وسلم ” بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا” ومن ثم قرر الرجوع إلى مكة ليواصل دعوته بالحكمة والموعظة الحسنة، رغم ما يلقاه من تعب ومشقة، وهذا هو المنهج النبوي في الدعوة إلى الله، كما قال الله تعالى كما جاء فى سورة النحل ” ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين” وفي إسلام عداس الغلام النصراني درس تربوي ودعوي في فضل وبركة التمسك بسنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى