مقال

فى طريق الإسلام ومع تنظيم وتحديد النسل ” الجزء الأول “

فى طريق الإسلام ومع تنظيم وتحديد النسل ” الجزء الأول ”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

لقد جعل الله تعالى الزواج آية من آياته سبحانه وتعالى، فى الأرض فقال تعالى فى كتابه الكريم كما جاء فى سورة الروم ” ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواحا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون ” فالزواج جعله الله سكنا وأمنا واستقرارا واطمئنانا وأي شيء أبلغ من قوله تعالى “لتسكنوا إليها” أليس السكن يؤوي الإنسان ويستره، وهو ملاذه بعد تعبه، ومستقره بعد مشقته وسفره؟ وإن الإسلام يريد منا أن نكوّن أسرة تلتقي فيها النفوس على المودة والرحمة والتعاطف، أسرة تقيم أمر الله عز وجل في حياتها، أسرة تتخذ من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة لها، أسرة تتربى على آيات الرحمن وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ديننا يريد منا أن نكوّن أسرة يعطف كبيرها على صغيرها، ويحترم صغيرها كبيرها، حينها تكون هذه الأسرة قرة عين لأهلها ولمجتمعها، فقال الله تعالى في وصف عباد الرحمن كما جاء فى سورة الفرقان ” والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ” ويقول النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” تزوّجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة” وكان المسلمون على طول عصورهم يعرفون ما لتشجيع النسل من فوائد جلى، ولا يمترون في صحة الحديث، وما يهدف له من مصالح عُظمى، وكان مما أباحه الله للمسلمين هو تعدد الزوجات مع شرط العدل وإباحة السراري والإماء مما ملكت أيمانهم.

إذا كان يقوم بما يلزم نحو ذلك شرعا فقال الله تعالى كما جاء فى سورة النساء ” فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحده أو ما ملكت أيمانكم ” وكل هذا مما يؤدي إلى كثرة النسل، الذي يزيد المسلمين قوة وانتشارا، فيكون من أولئك الذرية القادة المصلحون، والعلماء المتفقهون، والجنود المجاهدون، وغيرهم ممن بهم يرتفع شأن الأمة، ويعلو مجدها، ويقوى عزها، ولكن في العصور المتأخرة بدأت أصوات ناز تدعو إلى الحد من كثرة النسل، والتنديد بوفرة الإنجاب، وتلفيق الحكايات المختلفة الأساليب المنفرة، وذلك راجع إلى الجهل بالدين، والمعاداة له من جهة، وإلى رغبة بعض أعداء الدين في تحطيم الأمة الإسلامية، وإضعاف أمرها بكل وسيلة، فظلوا يغرونهم بجدوى منع الحمل، والعزوف عن الزواج المبكر، واستهجان تعدد الزوجات، وصاروا يطنطنون محذرين من تكاثر السكان، وقلة الموارد، ومخوفين الناس مِن الكوارث والفجائع، التي يجرها ازدحام البلد بالسكان، وإن هذا السلوك المعادي لقانون الفطرة يرغب العاكفين على عبودية الشهوات الجنسية في استخدام الوسائل المتنوعة لمنع الحمل، وإسقاط الجنين، ويكون من نتيجة ذلك أن عدد أفراد تلك الأمة يصبح ثابتا، لا يتقدم ولا يتأخر في بدء الأمر، ثم يأخذ في الانحطاط والتردي، حتى يبلغ بها حيث لا تقدر على قضاء حاجاتها الأساسية اللازمة.

فلا هي تقدر أن تحتفظ بشخصيتها المستقلة، ولا أن تدافع عن نفسها أعداءها من جانب الفطرة، أو من جانب البشر، ولقد اهتم الإسلام اهتماما بالغا بالأسرة، وذلك لأنها اللبنة الأولى في بناء المجتمع الذي يتكون من مجموعة أسر، والأسرة تتكون من مجموعة أفراد، فالمجتمع المسلم كالبناء الذي يتكون من الأساس واللبنات، وبقدر قوة الأساس وقوة اللبنات وتماسكها وانتظامها يكون البناء صرحا شامخا وحصنا منيعا ولذا شبه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم المجتمع المسلم بالبنيان المرصوص الذي يشد بعضه بعضا وبالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، ولكن هذا لا يتحقق إلا إذا وجدت الأسرة المسلمة المتعاونة المتماسكة ذات الجو الأسرى الرشيد والبيت الإسلامي السعيد، الذي يقوم كل فرد من أفراده بدوره على أكمل وجه، مدركا أن الحياة الزوجية شراكة، وأن إنشاء الأسرة الإسلامية المنشودة هي مسؤولية الجميع من الزوج والزوجة والآباء والأبناء، ومن هنا وضع الإسلام جملة من الأحكام لتحقيق هذه الغاية النبيلة والهدف المنشود ليكون البيت رحمة ومودة وألفة وسكينة، ولذا وضع الإسلام عدة توجيهات لتكوين الأسرة المسلمة وهو أن يحسن كل واحد منهما اختيار الآخر، فقال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة فى الأرض وفساد كبير ” رواه الترمذى.

ولم يقل النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ممن ترضون حسبه ونسبه وماله كأساس للقبول، وإنما جعل الأساس في الاختيار ممن ترضون دينه وخلقه حتى يُبنى البيت على أساس سليم متين، وقال رجل للحسن البصري رحمه الله ممن أزوج ابنتي؟ قال الحسن زوج ابنتك ممن يتقي الله، فإن أحبها أكرمها، وأن أبغضها لم يظلمها، فصاحب الدين إذا أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها، ولا يسيء معاملته لزوجته ولا لأبنائه؛ وذلك لأنه يضع نصب عينيه قول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ” خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلى ” رواه الترمذي، فهو صلى الله عليه وسلم يرى أن إدخال السعادة على زوجته وأولاده وتهيئة الجو الأسري السعيد عبادة يتقرب بها إلى الله عز وجل، وهذا التوجيه أيضا في اختيار الزوجة ليكتمل البناء صحيحا، فقال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” تنكح المرأه لأربع لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك ” رواه البخارى ومسلم، لأن صاحبة الدين جنة الدنيا ومتاعها، فقال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأه الصالحه ” رواه مسلم، بل إن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قال ” ما استفاد المسلم فائدة بعد تقوى الله تعالى خيرا من زوجة صالحه، إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب نصحته فى نفسها” أى حفظته فى نفسها وفى عرضه وماله رواه ابن ماجه.

وبذلك تكون الزوجة سببا لسعادة زوجها وأهل بيتها، وقال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم “أربع من السعادة، المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء، وأربع من الشقاوة، الجار السوء، والمرأة السوء، والمسكن الضيق، والمركب السوء” رواه ابن حبان، وأيضا من التوجيهات لتكوين الأسره المسلمه هو نظر كل من الخاطبين للآخر لأن الإسلام يريد أن يؤسس لبيت إسلامي سعيد، ذي هدف وغاية، فندب الخاطبين أن ينظر كل منهما للآخر وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم ” الأرواح جنود مجنده من تعارف منها أئتلف وما تناكر منها اختلف” رواه البخارى ومسلم، وروي عن الصحابى الجليل المغيره بن شعبه أنه خطب امرأه فقال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما ” رواه الترمذى، وذلك لأن الإسلام ينظر إلى العلاقة الزوجية على أنها حياة مستمرة يسودها تعاون وتآلف، وحب ووئام، وسعادة واستقرار، وطمأنينة وسكينة، وأنس وسعادة، وهذا لا يتأتى إلا إذا كان اختيار الزوجين لكل منهما عن قناعة ورغبة في بناء هذا البيت الزوجي السعيد، وأيضا من التوجيهات لتكوين الأسره المسلمه، هو بيان حقوق وواجبات كل منهما على الآخر، وأوجب عليهما القيام بذلك على أكمل وجه، حتى تصل سفينة هذه الأسرة إلى بر الأمان، وصدق الله إذ يقول فى كتابه الكريم فى سورة البقرة ” ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم

وقال تعالى أيضا موجها الخطاب للأزواج والزوجات على حد سواء بحسن المعاشرة كما جاء فى سورة النساء ” وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا” ولذا قال الصحابى الجليل أبو ذر الغفارى لزوجته مبينا لها فن من فنون التعامل الأسري “إذا رأيتني غضبت فرضني، وإذا رأيتك غضبى رضيتك، وإلا لم نصطحب” فما أحوجنا اليوم وفى زماننا هذا لأن نكتب هذه النصيحة بماء من ذهب نهديها لكل زوج وزوجة، نهديها لكل مقبل على الزواج، نهديها لكل من يجهل فن التعامل مع زوجته، أو من تجهل فن التعامل مع زوجها عند أبسط سوء فهم يحدث بينهما، ويروى أن رجلا جاء إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشكو إليه سوء خلق زوجته، فوقف على بابه ينتظر خروجه، فسمع هذا الرجل زوجة عمر بن الخطاب تخاصمه، فانصرف الرجل راجعا، وقال إن كان هذا حال عمر مع شدته وصلابته وهو أمير المؤمنين فكيف حالي؟ وخرج عمر فرآه موليا عن بابه فناداه، وقال له، ما حاجتك أيها الرجل؟ فقال يا أمير المؤمنين جئت أشكو إليك سوء خلق زوجتي واستطالتهاعليّ، فسمعت زوجتك كذلك فرجعت وقلت إذا كان هذا حال أمير المؤمنين مع زوجته فكيف حالي؟ قال عمر بن الخطاب يا أخي، إني أحتملها لحقوق لها عليّ، إنها لطباخة لطعامي، خبازة لخبزي، غسالة لثيابي، مرضعة لولدي، ويسكن قلبي بها عن الحرام، فأنا أحتملها لذلك.

فقال الرجل فكذلك زوجتي، فقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه فاحتملها إذن، وإن نظرة إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كفيلة إذا ما اقتدينا به أن نعيش حياة زوجية سعيدة يملؤها الحب والوئام، فلم يضرب صلى الله عليه وسلم زوجة له قط، وكان صلى الله عليه وسلم يحب السيدة خديجة رضي الله عنها حبا كبيرا لأنها كانت مثالا للزوجة الصالحة التي تقف مع زوجها، ويذكر كل مسلم موقفها عند بدء نزول الوحي حين قالت للنبي الكريم صلى اللله عليه وسلم “كلا والله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق” ولذا استحقت بحسن معاملتها لزوجها النبى الكريم صلى الله عليه وسلم بشارة النبي صلى الله عليه وسلم، فعن عبد الله بن أبى أوفى رضى الله عنه أنه سئل أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر خديجه ببيت فى الجنه؟ قال نعم، بشرها ببيت فى الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب” رواه البخارى ومسلم، وهو بيت في الجنة لا صخب فيه ولا نصب لأنها لم ترفع صوتها على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ولم تتعبه، بل أزالت عنه كل نصب، وآنسته من كل وحشة، وهونت عليه كل عسير، رضي الله عنها وأرضاها، وهكذا فلتكن النساء، لا كما هي الحال مع بعض النساء في زماننا ترد الصاع صاعين، والكلمة كلمتين، وترد المليح بالقبيح والحسنة بالسيئة، تكفر العشير ولا ترضى باليسير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى