مقال

الحق فى القرآن الكريم ” الجزء الثالث

 

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثالث مع الحق فى القرآن الكريم، وإن المتاجرة بكلمة الحق والعدول عنها إلى الباطل والنفاق والمجاملة ليست من سلوكيات المسلمين ولا من صفاتهم وإنما هي صفات أمم غضب الله عليها ولعنها من اليهود والنصارى، فقال الله تعالى كما جاء فى سورة النساء ” يا أهل الكتاب لا تغلوا فى دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق” وقال تعالى كما جاء فى سورة المائدة ” لعن الذين كفروا من بنى إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون” وإن واقعنا اليوم يشهد بأن هناك خلل وضعف وتهرب من قول كلمة الحق، بل هناك من يتاجر بها فسفكت الدماء في بلاد المسلمين وانتهكت الأموال والأعراض وحدث الشقاق والنزاع وحدث الخلافات بين أفراد هذه الأمة واستطال المسلم في عرض أخيه وماله ودمه، وبهذا السلوك تم تبرير ظلم الظلمة وتجبر الطغاة وتغييب الحق والعدل، ولماذا يلجأ المرء إلى المتاجرة بكلمة الحق والسكوت عن قولها؟ هل خوفا من الموت وطلبا للحياة؟ فإنها بيد الله تعالى، أم من أجل حفنة من المال؟ أم طمع في منصب أو جاه؟ فإن ما عند الله خير وأبقى، ثم إن قول كلمة الحق لا يقرب من أجل ولا يحرم من رزق فيقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم “ألا لا يمنعن أحدكم رهبة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده، فإنه لا يقرب من أجل ولا يباعد من رزق، أن يقول بحق، أو يذكر بعظيم “رواه أحمد وقال صلى الله عليه وسلم أيضا “لا يمنعن رجلا هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه، أو شهده، أو سمعه”

 

أم أن سبب ذلك الخوف والجبن؟ فأين إيمانك؟ وأين عقيدتك؟ وأين خشيتك من الله عز وجل، فعن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا يحقرن أحدكم نفسه، قالوا يا رسول الله، كيف يحقر أحدنا نفسه‏‏؟ ‏‏قال يرى أمرا لله عليه فيه مقال، ثم لا يقول فيه، فيقول الله عز وجل له يوم القيامة ما منعك أن تقول ‏في ‏‏كذا وكذا‏‏؟ ‏‏فيقول خشية الناس، فيقول فإياي كنت أحق أن تخشى ” رواه ابن ماجة، والله عز وجل يقول كما جاء فى سورة الأحزاب “والذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله” وقد توعد الله عز وجل، الذين لا يقولون الحق ويعدلون عنه إلى غير بعذاب شديد فقال سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة الأنعام ” اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون” وانظروا جميعا إلى هذه الأمة عندما كان الإيمان يملأ قلوب أبنائها، وعندما كانت تقول كلمة الحق وتصدع به دون خوف أو وجل كيف أثرت في الحياة فشيدت حضارة، وأورثت عزا، وبنت مجدا وقبل ذلك كله أنها أرضت الخالق العظيم سبحانه وتعالى، وقيل أنه دخل سليمان بن عبد الملك المدينة، فأقام بها ثلاثا، فقال‏ ما ههنا رجل ممن أدرك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا‏؟ فقيل له ها هنا رجل يقال له أبو حازم، فبعث إليه فجاء‏،‏ فقال سليمان‏ له يا أبا حازم، ما هذا الجفاء‏؟ قال أبو حازم‏، وأي جفاء رأيت منى؟ فقال له‏ أتاني وجوه المدينة كلهم ولم تأتني‏؟‏‏ فقال‏ ما جرى بيني وبينك معرفة آتيك عليها،‏ فقال صدق الشيخ، يا أبا حازم.

 

ما لنا نكره الموت‏؟ قال لأنكم عمرتم دنياكم وخربتم آخرتكم، فأنتم تكرهون أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب،‏ قال‏ صدقت يا أبا حازم، فكيف القدوم على الله تعالى‏؟ قال‏ أما المحسن فكالغائب يقدم على أهله فرحا مسرورا، وأما المسيء فكالآبق والآبق أي العبد الهارب من سيده، يقدم على مولاه خائفا محزونا،‏ فبكى سليمان وقال‏‏ ليت شعرى، ما لنا عند الله يا أبا حازم؟ فقال أبو حازم‏‏ اعرض نفسك على كتاب الله‏؟ قال‏ ‏عند قوله تعالى كما جاء فى سورة الانفطار ” إن الأبرار لفى نعيم وإن الفجار لفى جحيم” ‏ قال يا أبا حازم، فأين رحمة الله‏؟‏ قال يقول الله تعالى كما جاء فى سورة الأعراف ” ولا تفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمت الله قريب من المحسنين” قال‏ يا أبا حازم، من أعقل الناس‏؟‏ قال‏ ‏من تعلم الحكمة وعلمها الناس،‏ قال‏ ‏فمن أحمق الناس‏؟‏ قال‏: من حط نفسه في هوى رجل وهو ظالم، فباع آخرته بدنيا غيره،‏ قال‏ يا أبا حازم فما أسمع الدعاء‏؟‏ قال‏‏ دعاء المخبتين،‏ قال‏ فما أزكى الصدقة‏؟‏ قال‏‏ جهد المقل‏،‏ قال يا أبا حازم، ما تقول فيما نحن فيه‏؟ قال‏ أعفني من هذا،‏ قال سليمان، نصيحة تلقيها،‏ قال أبو حازم إن ناسا أخذوا هذا الأمر عنوة من غير مشاورة المسلمين، ولا إجماع عن رأيهم، فسفكوا فيه الدماء على طلب الدنيا، ثم ارتحلوا عنه، فليت شعرى، ما قالوا‏؟‏ وما قيل لهم‏؟‏ فقال بعض جلسائهم‏‏ بئس ما قلت يا شيخ، فقال أبو حازم‏ كذبت، إن الله أخذ ميثاق العلماء ليبيننه للناس ولا يكتمونه،‏ قال سليمان‏ ‏يا أبا حازم، أصبحنا تصيب منا ونصيب منك.

 

قال‏ أعوذ بالله من ذلك، ‏قال‏ ولمَ‏؟ قال‏‏ أخاف أن أركن إليكم شيئا قليلا، فيذيقني ضعف الحياة، وضعف الممات، ‏قال فأشر عليّ، قال‏‏ اتق الله أن يراك حيث نهاك، أو يفقدك حيث أمرك‏، قال‏‏ يا أبا حازم، ادع لنا بخير،‏ فقال‏‏ اللهم إن كان سليمان وليك فيسره للخير، وإن كان غير ذلك، فخذ إلى الخير بناصيته، فقال‏ يا غلام، هات مائة دينار، ثم قال‏‏ خذ يا أبا حازم، ‏قال لا حاجة لي فيها، ويتسم الحق بالثبات، وعدم الاضطراب، فلا تجد زعزعة في الحق، ولا تجد فيه خللا، وليس فيه اضطراب، فالحق مطرد وثابت، لا يتلون، ولا يتغير، ولا يتبدل، ولذلك تجد من علامات الباطل، أنه بشرى المصدر، أو شيطاني المصدر، وأنه يتلون ويتغير، والله عز وجل يجرى أقدارا فى الواقع ليبين للناس الحق، فمثلا، هناك كثير من الناس عندهم قناعة بالديمقراطية، وأن الديمقراطية هي الطريقة الصحيحة، وهي الطريقة الراقية، والطريقة الناضجة، ولكن إذا نظرت إلى الواقع تجد أن الديمقراطية كصنم من تمر، متى أرادوه اتخذوه، ومتى لم يناسبهم أكلوه، فهل الديمقراطية منهج مضطرد في العالم عند أهله الذين يقولون به؟ فإن الجواب لا، فإذا ناسبهم اتخذوه، وإذا لم تعجبهم النتائج ذهبت كل شئ، فالله يجري أحداثا ليبين للناس أن هذه أباطيل، وفي كل المسائل، حتى لو جاءت أكبر مسألة، الحق فيها من عند رب العالمين شيء معين، ولذلك فإن الحق يطرد، والباطل متلون، وهذه من صفات المنافقين الذين يتربصون بكم، فيقول الله تعالى كما جاء فى سورة النساء ” فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين”

 

أما الحق في ثبات، فقال تعالى ” إذا لقيتم فئة فاثبتوا” حتى إذا لقيتم فئة من أهل الباطل يناقشون، ويجادلون، فاثبتوا، وإذا لقيتم فئة تهدد وتتوعد فاثبتوا، وإذا لقيتم فئة تعذب وتعتدي فاثبتوا، وإذا لقيتم فئة تقاتل فاثبتوا، فسواء كانت تجادل، أو تقاتل، أو تهدد، أو تتوعد للباطل، فاثبتوا، فقال تعالى فى سورة إبراهيم ” يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الآخرة” وكثير من الذين أسلموا رأوا آيات تدل على أن هذا هو الحق، بعضهم رآها في ساحات المعارك، وقال رأيت جنودي يفرون أمام أناس ليس عندهم إلا بنادق قليلة، مع كثرة ما لدينا من السلاح والعتاد، فقلت كيف يمكن هذا؟ ويقول بعضهم لا نعرف دينا محاربا فى العالم الآن مثل الإسلام، والإسلام حسب الإحصاءات أكثر الأديان انتشارا في العالم، كيف يكون هذا؟ يعنى وكيف يكون الإسلام أكثر دينا يُحارب في العالم هو وأتباعه، قتل، حصار، شبهات، شهوات، كل أنواع المواجهة، ومع ذلك فالإسلام أكثر الأديان انتشارا في العالم، ينتشر بحسب الإحصاءات، كيف يصير هذا؟ فبعضهم أسلم عندما رأى هذا، ويقول هذا لا يمكن إلا أن يكون حقا ونحن كلما حاربناه، وكلما اشتد حربنا له فهو ينتشر أكثر لأن العادة جرت أن الشيء المحاصر، والمحارب يموت، ينكمش، على الأقل أن يبقى مكانه، وألا يزداد، لكن أن نحاربه ويزيد، أو أن ونحاربه وينتشر، هذا شيء ليس من صُنع البشر، هناك شيء فوق العادة، وأيضا من التقيضات الإلهية للحق، أن الله يقدّر مواقف يثبت فيها أهل الحق لبقاء الدلالة على أنه حق، كقصة أصحاب الأخدود مثلا.

 

وموقف الغلام ذلك الموقف الذي ثبّت الله به الناس، وهداهم، وموقف الغلام الذى مع أمه فى قصة ماشطة بنت فرعون عندما تقاعست أن تقع في النار، فقال يا أماه، أصبري فإنك على الحق كما رواه البخارى سواء كان الغلام الكبير، أو الغلام الصغير، فإن هذه آيات دالة على الحق لأن عادة المبادئ أن يدافع عنها الرجال الأقوياء الكبار، فعندما يقيض الله غلاما لتسلم على يديه قرية بأكملها، ويقيض رضيعا ليثبت به أمه، فهذه آيات وأقدار، ومواقف ينصبها ويقدرها الله في الواقع، لتثبيت أهل الحق على الحق، وهذه إعانة مهمة، وأما عن التأييد الإلهى فإن الله عز وجل أيد الحق بمعجزات للأنبياء، أيده بتثبيت أصحابه، أيده بسنن كونيه جارية، فقال تعالى فى سورة يونس ” ويحق الحق بكلماته” فيثبت أصحاب الحق على الحق كما قال فى سورة الأنفال” ولو كره المجرمون” وهذه كلماته السابقة الأزلية في الوعد بذلك، وهذه أوامره وقضاءآته، وهذه حججه وبراهينه، فإن الله يؤيد الحق بإرسال الرسل، ومعهم المعجزات الدالة على الحق، وإنزال الكتب المبينة، فيقول الله تعالى كما جاء فى سورة البقرة ” كان الناس أمة واحده فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق” وقال الله تعالى كما جاء فى سورة النساء ” رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ” وإن المعجزات من التأييد الإلهى للحق، لأنه لا بد للناس من بينات تدلهم أنه هذا، وليس هذا، ولو كل انسان يقول أنا رسول، اتبعوني، لفتح الباب للمبطلين، فجعل الله تعالى للرسل الذين أرسلوا من عنده آيات.

 

تدل على أنهم أتوا من عنده عز وجل بالحق، وأن غيرهم دجّالون كذابون، فقال تعالى فى سورة الأعراف ” قد جاءتكم بينة من ربكم ” وجادل فرعون، وقال كيف نعرف يا موسى أنك من عند الله؟ قال كما جاء فى سورة الشعراء ” أولو جئتك بشئ مبين قال، فأت به إن كنت من الصادقين” فألقى عصاه، فإن الفرق واضح جدا بين هذه الآية، وبين عمل السحرة، ولا يمكن أن يقارع ما عند هؤلاء ما جاء به نبى الله موسى عليه السلام، فكل رسول كريم لديه آية تبين للناس الذين أرسل إليهم، أنه حق، وجاء من عند الحق، برسالة الحق، ودين الحق، حتى لا يأتي كل واحد يدعي، ولو قال لنا قائل الآن أنتم يا أيها المسلمون تقولون أنكم على الحق؟ نقول نعم، وما هو دليلكم؟ ولماذا تدّعون أنكم على الحق؟ نقول لأنه قد جاءنا رسول من الله بالحق، فإن قال كيف عرفتم أن هذا الرسول صادق؟ فقد يكون كذابا، وهناك الكثير ممن ادعى النبوة غيره، حتى في هذا الزمن، نقول لأن نبينا قد جاء بدليل على أنه بُعث بالحق، هذا الدليل هوز معجزة وآية من آياته العظيمة، بتأييد إلهي، وهو هذا القرآن، فإنه دليل قاطع على أننا على الحق، ورسولنا حق، والإسلام حق، ولا حق غير هذا بهذا القرآن الموجود الآن، غير الآيات والمعجزات التي كانت في عهد النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وكل رسول كان لديه من البينات، فيقول الله تعالى كما جاء فى سورة الشعراء” فألقى عصاه فإذا هى ثعبان مبين ونزع يده فإذا هى بيضاء للناظرين” وهذا يقوله النبى صلى الله عليه وسلم لأنه ” ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر” رواه البخارى ومسلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى