خواطر وأشعار

رسالة من داخل السّجن (رواية قيد الإنجاز)

 

بقلم: رشيد (فوزي) مصباح

ــــــــــــــــــــــــ

الجزء الرّابع

(4)

كان اكبر طموح لديّ هو حين اتفرّغ من جميع الأعمال العالقة لأتحرّر في المساء. ليس من باب التفاني ولكنّه الرّوتين المثير للإشمئزاز. وكم حولوا إغرائي بمنصب أمين عام بإحدى الدوائر، وحتى أنّني لم أرضِ بالمنصب السّامي الذي عرضه عليّ أحد المعارف من بلدتي “مداوروش”، وكان يومها يعمل برئاسة الحكومة -جزاه الله عنّي كل خير-، والذي أرسل إلى والدي يخبره بالأمر عساي ولعلّني أتراجع وأرسل إليه بالملف المطلوب. لكن رعونتى كانت أدهى من توسّلاته المغرية، وهو ما أغضب والدي الذي يئس منّي ومن دعوتي.

لم يكن هروبي من المسئولية وقتها ينمّ عن دراية أو تجرية، بقدر ما كان يعبّر عن فجاجة ورعونة. فأنا لم أكن جادّا في كثير من الأمور ولو مرّة في حياتي. الأمر الذي ربّما تفطّن له رئيس دائرة “م العظائم” ودفع به إلى اقتراحي في منصب مندوب على رأس بلدية “وادي الكبريت”، اعتقادا منه أن ذلك سيمكّنه، هو وجماعة المتآمرين معه، من تزوير الانتخابات المحليّة بسهولة تامّة.

ويشاءُ ربُّك أن يفضح هؤلاء ومخطّطاتهم؛ وفي أحد الأيّام اغتنم رئيس الدّائرة “الأهوج” فرصة غيابي من البلدية فركب سيارته وقدم إلى البلدية مسرعا أين قام بتوقيف عدد من الزّملاء المرشّحين لانتخابات تجديد المجالس البلدية، لأنّهم ينتمون إلى أحزاب إسلامية. وكما قام أيضا بغلق مكاتبهم الواحد تلو الآخر وأخذ معه المفاتيح. علمتُ بذلك من خلال مكالمة جاءتني من موظّفة استقبال معروفة بإبائها. كنتُ حينها في “مداوروش” ولم يكن لديّ خيارات كثيرة، فسارعتُ إلى مكتبة قريبة وجدتُ فيها كل المستلزمات، من أقلام و أوراق وتجهيزات مختلفة مثل الفاكس وغيره…، وطلبتُ من صاحبها ورقة بيضاء نموذج أربعة وعشرين(24)، وكتبتُ إلى الوالي أقول:

” سيّدي والي ولاية سوق أهراس، تحيّة واحترام ثمّ أما بعد؛ نظرا للضّغوطات اللاّمهنية التي أتعرّض لها… يؤسفني ونحن على أبواب الانتخابات البلدية أن أرسل إليكم هذه الرسالة لأخبركم أنّني قرّرتُ تقديم استقالتي من منصب رئيس مندوبية بلدية وادي الكبريت بالتاريخ المذكور. تعقبّلوا منّي فائق الاحترام والتقدير.”. وأمضيتُ عليها وختمتها، وقمتُ بإرسالها عبر الفاكس مباشرة إلى ديوان الوالي بـ “سوق اهراس”بعد حصولي على الرّقم من أحد موظّفيه. ونظرا لخطورة الأمر؛ وكنا حينها على أبواب الانتخابات التي تحرس الإدارة المحليّة على تزويرها بكل الوسائل والطّرق، فقد طلب الوالي رئيس الدائرة ولم يعثر عليه في مكتبه بمقر دائرة “أم العظائم”، فترك له رسالة فيها من الوعيد والتّهديد ما جعل هذا الأخير يلجأ إلى العصابة المتورّطة معه، بنيّة التزوير المبيّت، الممثّلة في بعض المدمنين على الانتخابات المولوعين بحبّ السّلطة والزّعامة، وأرسل إليّ يطلب منّي الحضور إلى مقر البلدية.

جلسنا كالإخوة الأعداء: “القصّة الرّوسية المشهورة؛ الأب الفاسد وبنيه الأربعة الذين ليس يقرّبهم سوى المصلحة و العداوة تفصل التي بينهم”. وخيّم الصّمت، ولم يجد ممثّل منظّمة المجاهدين، الذي أعرفه جيّدا وسبق له أن عمل معي كرئيس بلدية، ما يقوله. ولا غيره من الحاضرين الذين رضخوا في النهاية لشرطي الوحيد: أن لا يتدخّل أحد في مهامي قبل تسليمها في اليوم المحدّد.

“الشلاغم شلاغم سيدي والحكومة حكومة لالّـا*”

– المثل الجزائري المعروف-

…………………………………………………………..

الشلاغم*هو الشّارب في المغرب والجزائر وتونس . قيل : الكلمة عربية مأخوذة من لحية سلجم بمعنى الشديدة الوافرة الكثيفة، أي اللّحية الكثّة . وقيل : الكلمة أمازيغيّة وأصلها شلغوم جمع شلغام وهو الشّارب الكث الكثيف.

لالّـا* متداول بكثرة في المغرب العربي وخاصة في تونس والجزائر ومعناه السيّدة الآمرة التي تتمتّع بالسّلطة والنّفوذ، ويدلّ أيضا على الغنج و الدّلال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى