مقال

الحلال بيّن والحرام بيّن ” الجزء الرابع عشر

إعداد / محمــــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الرابع عشر مع الحلال بيّن والحرام بيّن، ولا يخفى عليكم أن أخطر موضوع فى الدين بعد الإيمان بالله عز وجل هو الحلال والحرام، لأنك بالكون تعرفه، وبالشرع تعبده، بعد أن تستقر حقائق الإيمان في نفس المؤمن، وهو إيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره من الله تعالى، وبعد أن سعى الإنسان إلى أداء العبادات من صلاة، وصيام، وحج، وزكاة، ليس هناك موضوع على الإطلاق أخطر ولا أهم إلى نفس المؤمن من موضوع الحلال والحرام، لأن الإنسان إذا اقترف الحرام كان الحرام حجابا بينه وبين الله، فإن العلوم الدينية علوم كثيرة جدا، فهى علوم أدوات، وعلوم فرعية، وعلوم فقهية، فما من موضوع على الإطلاق أخطر في حياة المؤمن بعد إيمانه بالله من موضوع الحلال و الحرام، وقبل أن نمضي في الحديث عن الحلال والحرام في حياة الإنسان الشخصية، في طعامه وشرابه، وفي علاقاته الاجتماعية، في زواجه، في كسبه للمال، في إنفاقه للمال، في سفره، في حله وفي ترحاله، قبل أن نمضي في هذه الموضوعات.

 

لابد من أن نتحدث عن حقائق أساسيه وقواعد كلية في الحلال والحرام، وإن من أول هذه القواعد الكلية في الحلال والحرام أن الأصل في الأشياء الإباحة، والأصل أن كل شيء مباح لماذا؟ وما الدليل؟ لقول الله عز وجل فى سورة البقرة ” هو الذى خلق لكم ما فى الأرض جميعا” ولقول الله عز وجل كما جاء فى سورة الجاثية “وسخر لكم ما فى السماوات وما فى الأرض جميعا منه” ولقول الله عز وجل كما جاء فى سورة لقمان ” ألم تروا أن الله سخر لكم ما فى السماوات وما فى الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل فى الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير” فإن أى قضية سكت عنها الدين قضية مباحة، فالأصل في الأشياء الإباحة لذلك لا حرام إلا ما ورد فيه نص صحيح صريح، إذن النص غير صحيح أو النص صحيح ولكن غير صريح، نعود إلى أصل القاعدة، وهو الأصل في الأشياء الإباحة لا تحريم إلا بنص صريح صحيح، فأى قضية سكت عنها الدين إذن هي مباحة، فأصل القاعدة أن كل شيء مباح في الأصل

 

ما لم يرد في تحريمه نص صحيح صريح، ولو اعتمدت على نص غير صحيح هذا الشيء يبقى على أصل القاعدة مباحا، ولو اعتمدت على نص صحيح، لكن دلالته ليست قطعية، يرجع الحكم إلى أن هذا الشيء مباح وفق القاعدة الأصلية الأولية، فالقاعدة الأولى في الحلال والحرام أن الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد نص صحيح صريح من قبل الله عز وجل في كتابه، أو من دوام النبي صلى الله عليه وسلم في سنته، لذلك موضوع الحلال والحرام لا يستطيع إنسان كائن من كان أن يقول لك هذا حلال وهذا حرام إلا بالدليل، فإذ قال إنسان هذا الشيء حرام، فقل له أين الدليل؟ ليس تحليل الحرام أو ليس تحريم الحلال بأقل إثما وخطرا وانحرافا من تحليل الحرام، سيّان أن تحلل حراما أو تحرم حلالا، فإن بطولة الإنسان ليس فى تحريم الحلال ولكن في إعطاء الرخصة مع الدليل، فإن أول قاعدة هى الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد نص صريح صحيح في تحريمها، لذلك المؤمن لا يعمل فكره إلا بالطريقة التالية، إن كنت ناقلا فالصحة، إن كنت مدعيا فالدليل.

 

فلا يقبل شيئا محرما إلا بالدليل القطعي، وطالبه بنص صحيح، قرآن كريم، حديث صحيح، حديث متواتر، حديث حسن، وطالبه بدلالة واضحة صريحة، أما أن تعتمد نصا ضعيفا، أو موضوعا، أو أن تعتمد مدلولا ظنيا، فهذا لا يجعل هذا الشيء حراما، بالمناسبة أى إنسان مهما كان علمه محدودا بإمكانه أن يقول لك هذا حرام، لكن البطولة ليس في تحريم الحلال ولكن في إعطاء الرخصة مع الدليل، هذا حلال وهذا الدليل، فإن هذا الشرع من عند خالق الكون، من عند الصانع، من عند الخبير، فعندما يتطاول الإنسان ويحرم ما أحله الله، أو يحلل ما حرمه الله، فقد ارتكب إثما كبيرا، لذلك لا أبالغ إن قلت إن أكبر معصية على الإطلاق هناك إثم، هناك عدوان،هناك فحشاء، هناك منكر، هناك نفاق، هناك شرك، هناك كفر، وفوق كل هذه وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون، أن تحلل حراما أو تحرم حلالا، الدليل العقلى أن الله لا يعقل أن يخلق شيئا من أجل الإنسان ثم يحرمه عليه، شيء عبس، يخلق ما في الكون من أجل الإنسان ثم يحرم هذه الطيبات على الإنسان؟

 

أما إذا حرم بعض هذه الجزئيات فالحكمة بالغة، فإن في الشرع الإسلامي أشياء أمرنا الله تعالى بها، وفي الشرع الإسلامي أشياء نهانا الله تعالى عنها، وفي هذا الشرع العظيم أشياء كثيرة جدا سكت الله عنها لم يأمرنا بها ولم ينهنا عنها هي المباحات، لذلك يمكن أن نقول هناك أمر واجب، وفرض، وواجب مستحب أو مندوب، ومباح، ومكروه تنزيها، ومكروه تحريما، وحرام، فيجب أن يعمل عقل المؤمن دائما، كل حركة، كل سكنة، كل تصرف، كل موقف، يجب أن يصنفه في أحد هذه الأحكام الستة، فرض، واجب، مندوب، مباح، مكروه تنزيها تحريما، حرام، والتحليل والتحريم هو الذي حلله الله تعالى وحرمه الله تعالى، وأما عن النقطة الثانية وهى أن دائرة المباحات كبيرة جدا، وأن دائرة المحرمات صغيرة جدا، أى لو أخذنا نسبة المحرمات إلى نسبة المباحات لوجدنا أنها نسبة تكاد لا تذكر، وقد يسأل سائل لماذا خلق الله لحم الخنزير؟ ولماذا خلق الله التخمر؟ وهذا قانون كيميائى لماذا خلقه الله عز وجل؟ لأن الدنيا دار ابتلاء، لأن الدنيا في أصلها دار ابتلاء.

 

فقال الله تعالى فى سورة الملك ” الذى خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ” فإن كنا مبتلين لأن الدنيا هي دار بلاء وامتحان، لذلك لابد من منهيات، ولابد من محرمات، فلو ألغيت المحرمات ألغى التكليف، وألغى حمل الأمانة، وألغى الثواب، وألغى العقاب، فلابد من أشياء محرمة لتمتحن في تركها، حيث أنه لا تظهر إرادة المؤمن في طاعة الله عز وجل إلا بترك المحرمات، فلو تصورنا أن الله تعالى خلق كل شيء مباح إطلاقا للإنسان، فمن هو الطائع؟ ومن هو العاصى؟ ومن هو المستقيم؟ ومن هو المنحرف؟ ومن هو الصالح؟ ومن هو الفائز؟ وهكذا فلو ألغيت العبادة، ألغى التكليف، ألغيت الأمانة، ألغى الثواب، ألغى العقاب، ألغيت الجنة، فلابد من المحرمات، وأما عن حكمة وجود المحرمات فهى متعلقة بحكمة التكليف، وبحكمة الابتلاء، وبحكمة الامتحان، والدليل هو قول الله عز وجل كما جاء فى سورة البقرة ” وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين”

 

فإذن بالواقع لحم الخنزير محرم، وإن مقابل هذا التحريم، كم من أنواع اللحم حلال أكله؟ مئات، وكذلك الخمر محرمة، وإن مقابل هذا التحريم كم نوع من أنواع الشراب اللذيذة الطيبة الطاهرة محللة؟ فهى أنواع منوعة، ولذلك ورد في الحديث عن أبى الدرداء رضى الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال” ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته” رواه البزار والحاكم، وهكذا فإن المباح لا يحتاج إلى دليل أما التحريم فيحتاج إلى دليل، لذلك المؤمن لا يحزن، كل شيء في الأصل مباح، وإذا قال إنسان هل يجوز أن ألبس على سبيل المثال شئ مصنوع في بلاد اليهود؟ فنقول له يجوز، فإذا قال لا يجوز، لقد صنعها الكفار، فنقول له أن هذا شيء مباح، فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئا، ثم تلا هذه الآية ” وما كان ربك نسيا” .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى