مقال

لقيط بنى مالك ” الجزء الثالث

 

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثالث مع لقيط بن مالك ” ذو التاج” وقد توقفنا مع حذيفة بن محصن البارقى، وقد نقل عنه الطبرى وجمع من المتأخرين وهى من الروايات المشكوكة لضعف سيف بن عمر وتناقضها مع أشهر الروايات، وقد قدموا اهل عمان على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلمين، فبعث إليهم مصدقا حذيفة بن محصن البارقى، وأمره صلى الله عليه وسلم “أن يأخذ الصدقة من أغنيائهم، ويردها على فقرائهم” ففعل ذلك حذيفة فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم منعوا الصدقة وارتدوا فدعاهم حذيفة إلى التوبة، فأبوا وجعلوا يرتجزون حذيفة بن محصن لقد أتانا خبر ردى أمست قريش كلها نبى حذيفة بن محصن، فكتب حذيفة إلى أبي بكر الصديق بأمرهم، فاغتاظ غيظا شديدا، وقال ” من لهؤلاء ؟ ويل لهم ” ثم بعث إليهم عكرمة بن أبي جهل فجاءه كتاب أبي بكر ” سر إلى حذيفة في دبا، فسار عكرمة فى نحو ألفين من المسلمين وكان رأس أهل الردة هو لقيط بن مالك الأزدى فلما بلغه مسير عكرمة، بعث ألف رجل من الأزد يلقونه.

 

وبلغ عكرمة أنهم جموع كثيرة فبعث طليعة وكان للعدو أيضا طليعة فالتقت الطليعتان فتناوشوا ساعة ثم انكشف أصحاب لقيط بن مالك الأزدى وقتل منهم نحو مائة رجل وبعث أصحاب عكرمة فارسا بخبره، فأسرع عكرمة حتى لحق طليعته ثم زحفوا جميعا وسار على تعبئة حتى أدرك القوم فاقتتلوا ساعة ثم هزمهم عكرمة، وأكثر فيهم القتل ورجع فلهم إلى لقيط بن مالك الأزدى فأخبروه أن عكرمة بن جهل مقبل فقوى جانب حذيفة، ومن معه من المسلمين فناهضهم وجاء عكرمة بن أبى جهل فقاتل معهم فانهزم العدو حتى دخلوا مدينة دبا فحصرهم المسلمون شهرا وشق عليهم الحصار إذ لم يكونوا قد أخذوا له أهبة، فأرسلوا إلى حذيفة يسألونه الصلح فقال لا، إلا بين حرب مجلية أو سلم مخزية، قالوا أما الحرب المجلية فقد عرفناها فما السلم المخزية ؟ قال تشهدون أن قتلانا فى الجنة وقتلاكم فى النار، وأن كل ما أخذناه منكم فهو لنا، وما أخذتموه فهو رد لنا وأنا على حق وأنتم على باطل وكفر، ونحكم فيكم بما رأينا فأقروا بذلك، فقال اخرجوا عزلا.

 

لا سلاح معكم ففعلوا، فدخل المسلمون حصنهم، فقال حذيفة إنى قد حكمت فيكم، أن أقتل أشرافكم وأسبى ذراريكم، فقتل من أشرافهم مائة رجل وسبى ذراريهم، وقدم حذيفة بسبيهم المدينة المنورة وهم ثلاثمائة من المقاتلة وأربعمائة من الذرية والنساء، وأقام عكرمة بدبا عاملا عليها لأبي بكر الصديق رضى الله عنه، فلما قدم حذيفة بسبيهم أنزلهم أبو بكر رضي الله عنه دار رملة بنت الحارث، وهو يريد أن يقتل من بقى من المقاتلة، والقوم يقولون والله ما رجعنا عن الإسلام ولكن شححنا على أموالنا، فيأبى أبو بكر الصديق رضى الله عنه أن يدعهم بهذا القول، وكلمه فيهم عمر بن الخطاب وكان الرأى أن لا يسبوا، فلم يزالوا موقوفين في دار رملة حتى مات أبو بكر الصديق رضى الله عنه، فدعاهم عمر بن الخطاب فقال انطلقوا إلى أى بلاد شئتم فأنتم قوم أحرار، فخرجوا حتى نزلوا البصرة، وقد بعث رستم برسالة إلى زهرة بن الحُوية يقول له أرسل إلينا الرجل الذى كان عندنا، فرسل زهرة بذلك إلى سعد بن أبى وقاص، فقال له سعد بل أرسل له اليوم آخر.

 

فأرسل حذيفة بن محصن، فدخل عليه وهو راكب فرسه، فقالوا له انزل من على فرسك، فقال لا، والله لا أنزل، أنتم دعوتمونى، فإن أردتم أن آتيكم كما أحب، وإلا رجعت، ودخل حذيفة بجواده يمشى به على البُسط، وظل راكبا حتى وصل إلى رستم فقبل رستم أن يحدثه فوق حصانه، وهو يمشى على سريره المذهب وبدأ يخاطبه، فقال له ما بالك جئت ولم يجئ صاحبك؟ يقصد ربعى بن عامر، فقال له إن أميرنا يعدل بيننا في الرخاء والشدة، وهذه نوبتى أى أن كل واحد فى جيش المسلمين له دور، وهذا دورى، وأميرنا يوزع علينا الأمور بالتساوى، فقال له ما جاء بكم؟ فقال له إن الله مَنَّ علينا بدينه، وأرانا آياته فعرفناه، وكنا له منكرين، ثم أمرنا بدعاء الناس إلى ثلاث فأيها أجابوا قبلناه، الإسلام وننصرف عنكم، أو الجزاء أى الجزية ونمنعكم إن أردتم ذلك، أو المنابذة، فقال له رستم أو الموادعة إلى يوم ما؟ أى من الممكن أن تعطينا فرصة، فقال له نعم، ثلاثة أيام، فقال إذن تقاتلونا فى اليوم الرابع، فقال ثلاثة أيام من أمسِ وهو اليوم الذي تحدث فيه مع ربعى بن عامر.

 

وعلى ذلك فقتالكم فى اليوم الثالث، وعلى الفور اضطرب رستم اضطرابا شديدا، ونظر إلى قومه، فعلم القوم ما يدور في ذهنه فهذان الاثنان متفقان فى الرأى والتفكير، وهذا ما أوقع الرعب في قلبه، فأراد رؤساء القوم أن يخففوا من هول الموقف عليه، وأن يثبتوا له أن هؤلاء القوم ليس لهم قوة أو خبرة بالحروب، فقالوا لحذيفة بن محصن ما هذا الذى تحمله؟ فأخرج سيفه كأنه شعلة من نار فصرخ رستم في وجهه، أغمده، فأغمده بعد أن رأى الرعب في أعينهم، ثم أقاموا له درعا من دروعهم، فأطلق فيه سهما فخرقه، ثم أقام لهم جحفته وكانت من جريد النخل، فأطلقوا عليها سهامهم، فسلمت فقال لهم يا قوم فارس، إنكم عظمتم الطعام والشراب وعظمتم اللهو، ولم نعظمهم فعظمنا الله وصغركم، أى كانت هذه الأشياء منتهى تفكيركم، ولم نكن نحن كذلك فلذلك منحنا الله قوة تجعل سهامنا تخترق أى درع من دروعكم، ولا تخترق سهامكم دروعنا حتى وإن كانت من جريد النخل ثم رجع حذيفة بن محصن إلى المسلمين، وعاد رستم يجادل قومه مرة أخرى.

 

وهكذا قيل أنه أرسل النبى الكريم صلى الله عليه وسلم أبا يزيد الأنصارى وعمرو بن العاص إلى جيفر وعبد، وهما ابنى للجلندى أعقباه فى حكم عمان، فقال عبد بن الجلندى لموفدى الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الذى تدعو إليه من صاحبك أمر ليس بصغير وأنى أعيد التفكير فيه وأعلمك، ولهذا قام عبد وجيفر باستشارة عرّافا من المنطقة يدعى كعب بن برشة العودى فتنبأ لهما قائلا بأن محمد نبى وقد عرفت صفته، وأنه سيظهر على العرب والعجم، وبعد أن انتهى من قوله أسلم، فأسلم معه عبد وجيفر وسائر أهل عُمان، وبعد وفاة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، قام لقيط بن مالك الأزدى بالهجوم على عبد وجيفر فهرب هذين إلى الجبال وطلبوا المدد من أبو بكر الصديق، لأن لقيط رفض دفع الزكاة والضرائب، وارتد بالتالي عن الإسلام، فأرسل أبو بكر جيشا لنجدة أبناء الجلندى فتجمع جيش المسلمين في صحار، بينما تجمع جيش لقيط في دبا، ويقول المؤرخون إن جيوش المسلمين اصطدمت مع المرتدين في منطقة دبا، ودارت بينهما معارك طاحنة.

 

ولم يخض المسلمون مثلها ولا حتى في معركة اليمامة ضد مسيلمة الكذاب، ولا فى حروب الردة، ومن ثم فقد اشتدت السواعد، والتحمت الصفوف، ونزلت الهزيمة والخذلان بالمرتدين، فولى الجند المرتدون الأدبار، وقتل يومئذ منهم ما يقارب العشرة آلاف مقاتل، وفرّت الآلاف الباقية في السهول والصحارى، بينما كان جيش المسلمين كله لا يتعدى تعداده العشرة آلاف، فقتل يومئذ رأس المرتدين المشعوذ الدجال مدّعى النبوة الكاذب لقيط بن مالك الأزدى، ويقال بأن جيفر بن الجلندى عندما دخل دبا مع المسلمين غنم السوق بما فيها، وأحرقها، ويُعيد الأهالي القبور الكثيرة المتناثرة من خور فكان إلى دبا، وفي معظم نواحي دبا إلى ما حدث من حروب في أيام الردّة، لقيط بن مالك تلك وما زال القسم التابع للفجيرة من دبا يُسمى إلى اليوم بدبا البعيثة وفى هذا القسم توجد منطقة تسمى إلى اليوم بالردّة، وكانت دبا من أكبر أسواق العرب في الجاهلية، وكان يقصدها الباعة من الجزيرة العربية والهند والسند والصين، وكان الجلندي يشرف على هذه السوق، ويجني الضرائب وكانت السوق تقام آخر يوم من رجب حتى منتصف شعبان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى