مقال

منهيات رمضان ” الجزء الأول “

منهيات رمضان ” الجزء الأول “
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
إن أصحاب الكبائر متى تابوا إلى الله قبل الله توبتهم وغفر ذنوبهم، فقال تعالى ” إن الله يغفر الذنوب جميعا” ولكن في شهر رمضان تتأكد التوبة والاستغفار على كل مسلم أن يحاسب نفسه وينظر في أعماله ليدخل في هذه الشهر وقد طهر نفسه من الذنوب حتى يدخل فيه بنفسى نقية حتى يتفرغ لعبادة الله سبحانه وتعالى، وإن من فضائل هذا الشهر أنه تفتح فيه أبواب الجنان، وذلك بتيسير الأعمال الصالحة وتسيلها على أهل الإيمان، لأن الجنة إنما تحصل بالأعمال الصالحة بسبب الأعمال الصالحة، فالله يفتح أبواب الجنان لأجل أن يتسابق المسلمون إليها بالأعمال الصالحة، وهى في هذا الشهر موفرة وميسرة لمن يسره الله له، وتغلق فيه أبواب النيران وذلك بأن المسلمين يتوبون إلى الله ويستغفرونه فينجون من النار، لأن الأعمال السيئة سبب لدخول النار، فالله عز وجل يغلقها عنهم فى هذا الشهر بمعنى أنه يسر لعباده التوبة والاستغفار وترك الذنوب والمعاصي حتى ينجو من هذه النار، وهذا الشهر يغلو في الشيطان.
منهيات رمضان ” الجزء الأول “
فلا يتمكن من إشغال المسلمين عن دينهم، كما كان يفعل ذلك في غير رمضان، في رمضان الله عز وجل يمنعه عن عباده المؤمنين لا يوسوس لهم، ولا يشغلهم، ولا يصدهم عن الأعمال الصالحة، ولهذا تجد المسلمون ينشطون في هذا الشهر ويقبلون على الأعمال الصالحة أكثر من غيره عن رغبة وطواعية لأن الشيطان لا يتمكن من إشغالهم وصدهم عن الأعمال الصالحة وهذا شيء مشاهد، فإن إقبال الناس على العبادة في هذا الشهر دليل على أن الشيطان قد منع من أن يحول بينهم وبين الطاعات لكنه يسلط على أولياءه، فالله عز وجل منع حزبه وجنده من أن يتسلط عليهم الشيطان، وإن من الأخطاء التى تتعلق بالصوم، وهو النية فإن البعض لا يبيت النية للصيام، فإذا علم المرء بثبوت رؤيا شهر رمضان وجب عليه أن يبيت النية للصيام، والنطق بها ليس من هدى النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية “والتكلم بالنية ليس واجبا بإجماع المسلمين، فعامة المسلمين إنما يصومون بالنية وصومهم صحيح”
وأيضا من الأخطاء هو الغيبة والنميمة وهما من المنهيات في الصيام وغيره ولكن في الصيام أشد وأحرى ويفصل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ” رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش” رواه أحمد، ويقول ابن القيم فالصوم هو صوم الجوارح عن الآثام وصوم البطن عن الشراب والطعام فكما أن الطعام والشراب يقطعه ويفسده فهكذا الآثام تقطع ثوابه وتفسد ثمرته فتصيره بمنزلة من لم يصم، وأيضا من الأخطاء التى تتعلق بصلاة القيام أو التراويح، فنجد البعض لا يصلى القيام فى أول ليلة من ليالى رمضان، وهذا خطأ فمن السنة أنه يصلى إذا ثبت الهلال فإنها بذلك أصبحت أولى ليالي الشهر الكريم، ونجد من الناس أيضا من يهجر المساجد القريبة منه باغيا مسجدا بعينه إما رغبة في ذات المسجد أو في إمامه، ومن الهدى أن لا يكون ذلك إلا مع المساجد الثلاثة التى نص عليها الحديث لفضها عن سواها من المساجد وهناك أيضا من يهمل فى سنة العشاء ويصلى التراويح وسنة العشاء سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
منهيات رمضان ” الجزء الأول “
وأيضا فإن هناك أخطاء تتعلق بالإفطار والسحور، وهو أن كثير من الناس يستقبلون بعض الشهر الكريم بالمبالغة في شراء الأطعمة والمشروبات بكميات كبيرة دون الاستعداد للفوز بعظيم الثواب في هذا الشهر الكريم، ومن العجب تأخير الإفطار وتعجيل السحور، وهو ما يقع من بعض الصائمين، وهذا فيه تفريط في أجر كثير، لأن السنة فى ذلك أن يعجل إفطاره ويؤخر سحوره ليظفر بالأجر المترتب على ذلك لاقتدائه بالنبي صلى الله عيه وسلم، وهناك خطأ عظيما يقع فيه كثير من الناس وذلك بترك الشارب أو الآكل في نهار رمضان ناسيا يأكل ويشرب حتى يفرغ من حاجته، وقد قال الشيخ ابن باز “من رأى مسلما يشرب فى نهار رمضان، أو يأكل، أو يتعاطى شيئا من المفطرات الأخرى، وجب الإنكار عليه لأن إظهار ذلك في نهار الصوم منكر ولو كان صاحبه معذورا في نفس الأمر، حتى لا يجترئ الناس على إظهار محارم الله من المفطرات في نهار الصيام بدعوى النسيان” فقد أظلكم شهر عظيم، شهر رمضان جعله الله رحمة للعالمين.
منهيات رمضان ” الجزء الأول “
فتح فيه أبواب الجنان، وغلق أبواب النيران، وأعان العباد فيه على الصيام بتصفيد مردة الجان، ولله في كل ليلة عتقاء من النار، ففتح الباب الكريم الوهاب، وقال أيها العبد هلم يا باغى الخير أقبل، ويا باغى الشر أقصر، فهذا الصيام مدرسة عظيمة، فنتعلم منها أمورا كثيرة، فنصوم لله تعالى إخلاصا له، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، هذا الدرس العظيم الذى ينبغى أن تنسحب فيه سائر الأعمال على الصيام، فى الإخلاص لله، نتعلم فيه الاستجابة له، فقال تعالى ” استجيبوا لله وللرسول ” فقد دعانا للصيام وفرضه علينا، وقال تعالى ” يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام ” أى فرض عليكم الصيام وأخبرنا أنا لسنا الوحيدين في هذا الطريق فقد مضت أمم من قبلنا عليه فقال تعالى ” كما كتب على الذين من قبلكم ” وأخبرنا أنه لم يفرضه علينا لكي نجوع ونعطش ونتعذب بترك الشهوات، ونُحرم منها وإنما لأجل التقوى فقال ” لعلكم تتقون” وهذه الاستجابة والانقياد لله تحيي قلوبنا لأنه قال ” إذا دعاكم لما يحييكم ” وهى حياة القلب بها.
سواء كنا فى الصيف أو الشتاء نصوم، تعلقنا بهذه الأشياء بشدة أم لا نمسك، نطيع، نحن عبيد مربوبون، وهو القهار ربنا، فوقنا يأمرنا فنطيع، وينهانا فنمسك، ومعنى الصيام فيه شيء عظيم في التعبد بالترك، فإن العبادات في مجملها على الفعل، فعل أنت تأتى به، فالصلاة فيها قيام، وركوع، وسجود، وأذكار، وتلاوة، وأفعال، والزكاة إعطاء، والحج طواف، وسعى، ورمي، وهكذا، الصيام ترك، تترك فيعلمك كما تعمل لله أن تترك لله، وكثير من الناس يحسن أن يعمل، ولا يحسن أن يترك لأن نفسه تغلبه وشهوته قوية، فعندما يقول له اترك لله طعامك وشرابك وشهوتك، فيعلمه معنى الترك لله كما تعلم العبد معنى الفعل لله، ثم يا مسلم سواء كان صيفا أو شتاء، سواء كان النهار طويلا أو قصيرا، سواء كنت فى نصف الكرة الشمالى أو الجنوبى، فإنك تطيع الله فى جميع الأحوال، وتربية العبد المكلف على الطاعة فى سائر الأحوال، وأينما كان في كل مكان وزمان، مهما طال الوقت، أو اشتد الحر في الحقيقة تربية عظيمة.
فإذن معنى الصيام هو الطاعة والاستجابة لله، وقد ضرب الصحابة الأمثلة العظيمة فى ذلك، فلما قال لهم في الخمر ” فهل أنتم منتهون” سكبوها، ولما كان بعضهم يصلى، فدعاه النبى صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية استجيبوا فكان ليقطع صلاته لأجل هذه الاستجابة، ولما أعطى النبى صلى الله عليه وسلم الإمام علي الراية قال امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك، سار علي شيئا، ثم خطر بباله سؤال، وتذكر قوله ولا تلتفت، فنادى بأعلى صوته يا رسول الله على ماذا أقاتل الناس؟ ومضى، لم يكن الامتثال والاستجابة خاصة بالرجال في هذا المجتمع المبارك بل كانت تعم النساء أيضا، فلما نزلت آية الحجاب شقق نساء الأنصار مروطهن فاختمرن بها، خرجن معتجرات إلى المسجد كالغربان لا يعرفن، وهكذا، لما قال “اجلسوا” وكان الصحابى على باب المسجد فجلس هناك، ولما أمر النبي صلى الله عليه وسلم كل مسلم بكتابة وصية قال ابن عمر ما مرت على ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وعندى وصيتى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى