مقال

الصحابي بلال بن رباح ” الجزء الخامس ” ..إعداد / محمـــد الدكـــرورى

الصحابي بلال بن رباح ” الجزء الخامس “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الخامس مع الصحابى الجليل بلال بن رباح، وعن عمرو بن ميمون، أن أخا لبلال كان ينتمي إلى العرب ويزعم أنه منهم، فخطب امرأة من العرب، فقالوا إن حضر بلال زوجناك، قال فحضر بلال فقال “أنا بلال بن رباح، وهذا أخي وهو امرؤ سيئ الخلق والدين، فإن شئتم أن تزوجوه فزوجوه، وإن شئتم أن تدعوا فدعوا” فقالوا من تكن أخاه نزوجه، فزوجوه، وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” خير السودان ثلاثة لقمان وبلال ومهجع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم” وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال “يا بلال، أرحنا بالصلاة” ولقد كان من فضائله، هو حرصه على الجهاد منذ أن أسلم، فقد أخرج البخارى أن بلال قال لأبي بكر الصديق رضى الله عنهما “إن كنت إنما اشتريتنى لنفسك فأمسكنى، وإن كنت إنما اشتريتنى لله فدعنى وعملي لله” وجاء في رواية الإمام أحمد للحديث قال بلال لأبى بكر حين توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن سعيد بن المسيب، أن أبا بكر لما قعد على المنبر يوم الجمعة.

الصحابي بلال بن رباح ” الجزء الخامس “

قال له بلال عتقتني لله أو لنفسك؟ قال لله، قال فائذن لي في الغزو، فأذن له، فذهب إلى الشام، ومن فضائله، هو عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لبلال عند صلاة الفجر” يا بلال، حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام فإني سمعت دفّ نعليك بين يدى في الجنة” قال بلال ما عملت عملا فى الإسلام أرجى عندى من أني لا أتطهر طهورا فى ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب الله لي أن أصلي ” رواه البخارى ومسلم، ودف نعليك، يعني تحريك، وعن سعيد بن عبد العزيز، وابن جابر وغيرهما أن بلالا لم يؤذن لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأراد الجهاد، فأراد أبو بكر منعه، فقال إن كنت أعتقتني لله، فخل سبيلي قال فكان بالشام حتى قدم عمر الجابية، فسأل المسلمون عمر أن يسأل لهم بلال يؤذن لهم، فسأله، فأذن يوما، فلم ير يوما كان أكثر باكيا من يومئذ، ذكرا منهم للنبي صلى الله عليه وسلم، أما عن اسم زوجته فهى هالة بنت عوف أخت عبد الرحمن بن عوف كما ذكر ذلك صاحب الإصابة.

الصحابي بلال بن رباح ” الجزء الخامس ” ..

نقلا عن الرافعى في كتابه فتح العزيز الشرح الوجيز، ورواه الدار قطني وهو أثر صحيح، ولقد مات بلال رضي الله عنه سنة عشرين من الهجرة، أى بعد إمامه بتسع سنوات، تسع سنوات على فراق المصطفى صلى الله عليه وسلم وحرارة الشوق لم تبرد، بقى طوال هذه المدة وحياته اليومية على السنة التي تعلمها من النبي صلى الله عليه وسلم لم يغيّر قيد أنملة، ولهذا كان ذلك الاشتياق، ومات بلال رضي الله عنه في بلاد الشام مرابطا في سبيل الله كما أراد، وهناك وتحت ثرى دمشق رجل من أعظم رجالات هذا الدين توفى بلال رضي الله عنه وله بضع وستون سنة، وذلك سنة ثمانى عشرة، وقيل سنة عشرين للهجرة الشريفة، ودفن بباب الصفير، على ما صححه ابن كثير في البداية والنهاية، قال ابن الأثير وله أخ اسمه خالد، وأخت اسمها غفيرة، ولم يعقب بلال، أي لم يترك عقبا وهو الولد، وكان عندما ذهب بلال يتعلم الإسلام، حتى إذا كان اليوم الرابع، فمر أبو جهل بأهل عبد الله بن جدعان فقال ” إني أرى غنمك قد نمت وكثر لبنها؟” فقالوا ” قد كثر لبنها منذ ثلاثة أيام، وما نعرف ذلك منها” فقال ” عبدكم ورب الكعبة يعرف مكان ابن أبى كبشة.

فامنعوه أن يرعى المرعى ” فمنعوه من ذلك المرعى، وكان بلال بن رباح من السابقين إلى الإسلام ومن المستضعفين الذين عُذبوا ليتركوا الدين الحنيف، واشتهر بلال بصبره على التعذيب، وقولته الشهيرة تحت التعذيب “أحد أحد”، وقد هاجر بلال إلى يثرب ونزل على سعد بن خيثمة، وآخى النبى صلى الله عليه وسلم بينه وبين عبيدة بن الحارث بن المطلب، وقيل بينه وبين أبي عبيدة بن الجراح، ويوم فتح مكة، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلال بأن يعتلي الكعبة، ويؤذن فوقها، ففعل، ولما توفي النبي صلى الله عليه وسلم أبى بلال أن يؤذن لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا مرة واحدة ناشدوه فيها أن يؤذن، فأذن حتى بلغ قوله “أشهد أن محمداً رسول الله”، فأجهش بالبكاء، وما استطاع أن يتم الأذان، وقد عرف إسلامه عندما دخل بلال يوما الكعبة وقريش في ظهرها لا يعلم، فالتفت فلم يرى أحدا، أتى الأصنام وجعل يبصق عليها ويقول “خاب وخسر من عبدكن” فطلبته قريش فهرب حتى دخل دار سيده عبد الله بن جدعان فاختفى فيها.

ونادوا عبد الله بن جدعان فخرج فقالوا “أصبوت؟ قال “ومثلى يُقال له هذا؟ وبدأ العذاب فقد كانوا يخرجون به في الظهيرة في صحراء مكة، فيطرحونه على حصاها الملتهب وهو من غير لباس، ثم يأتون بحجر متسعر ينقله من مكانه بضعة رجال ويلقون به فوقه، ويصيح به جلادوه أذكر اللات والعزى فيجيبهم “أحد، أحد” وكما كان يبالغ في تعذيبه حتى يرجع عن إسلامه، ولكن بلال بقي صابراً ثابتا على دينه، وبالمقابل كان أبو جهل يقوم بتعذيبه فيجعله باتجاه الشمس، ويضع الرحا عليه حتى تذيبه الشمس، ويأمره بأن يكفر بالله تعالى، ولكن بلال رضي الله عنه بقى ثابتا على إسلامه، وإن فى قصة بلال مؤذن الإسلام دروسا وعبرا، أولهاهو قوله تعالى ” إن أكرمكم عند الله أتقاكم ” فلا فرق لعربى على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، فالقرشى عم الرسول صلى الله عليه وسلم الذى عارض الرسالة بنار ذات لهب، والحبشى الذي آمن بالرسالة يسمع قرع نعاله بالجنة، فإن هذا ما ينبغى أن نلزم به أنفسنا ونربي عليه أبناءنا.

حتى لا تسيطر عليهم رفعة النسب وعظم المنصب وشهوة المال وحب تصنيف الناس بألوانها وأنسابها وأفكارها، وكما أن هذا الدين لا ينتصر بكثرة العدد، ولا يعتمد على أصحاب المناصب والأموال، ولكنه يبقى مكانه ويأتى إليه من يحبه، ويقول أبو جهل “كيف يهتدى بلال وأنا سيد بني مخزوم وهو عبد حبشي، لو كان خيرا ما سبقونا إليه” لذلك يحقر الإنسان نفسه مع قلة ماله أو مكانته أو جاهه عن إيجاد دور له في نصرة الإسلام والمسلمين، يبذل جهده والله يوفقه، فقد جاء رجل أسود إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنى رجل أسود منتن الريح لا مال لى، أفئن قاتلت هؤلاء حتى أقتل فأين أنا؟ قال “في الجنة” فقاتل حتى قتل، فأتاه صلى الله عليه وسلم فقال “قد بيّض الله وجهك وطيب ريحك وأكثر مالك” رواه البيهقي والحاكم، فيجب علينا أن نأخذ من قصة بلال وغيره من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم حنكته صلى الله عليه وسلم ومعرفته بالفروق بين صحابته صلى الله عليه وسلم واختلاف مواهبهم.

فقد أعطى الأذان لبلال لأنه الأصلح، وأعطى الراية لخالد لأنه قائد، وأعطى الخلافة لأبي بكر، والقافية والأدب لحسان، ومدرسة الفرائض وتوزيع المواريث لزيد، والقضاء وهيئة الاستشارة لعلي، وكتابة الوحي لمعاوية رضي الله عنهم أجمعين، وهذا الأمر ومعرفة الفروق الفردية والمواهب الشخصية قد يفوت بعض المربين والدعاة والمعلمين حين لا يهتمون بالقدرات لشبابهم وأولادهم، أضف لذلك الحب الذى غرسه صلى الله عليه وسلم وربى صحابته عليه، حيث يقول تعالى فى سورة آل عمران” فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر” فإن سر نجاح دعوته صلى الله عليه وسلم أنه جعل الناس يحبونه حبا تتقطع له القلوب، وتنقاد له الأجسام، فكان صلى الله عليه وسلم أبا لليتامى، معينا للأرامل والمساكين، أحبته القلوب، عشقته الأفئدة، صلى الله عليه وسلم وهكذا كان بلال من المؤمنين الذين لاقوا العذاب الشديد من الكافرين بسبب إسلامه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى