مقال

رمضان شهر المجد والإنتصارات ” الجزء السادس

 

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء السادس مع رمضان شهر المجد والإنتصارات، وإن المال فى كثير من الأحيان يؤدى إلى الترف والكسل، لكن إذا كان الإنسان عنده قابلية لهذا المرض، ونستعيذ من الكسل كما استعاذ نبينا ورسولنا صلى الله عليه وسلم “اللهم إنا نعوذ بك من العجز والكسل” ولكن كيف نقضى على هذا المرض، وهذه الظاهرة وهى الكسل؟ وهو عليك أن تتذكر دائما أن الكسل مرض لابد من علاجه، ولهذا أكثر النبى صلى الله عليه وسلم من الاستعاذة منه، ولابد ألا نأخذ ما جاءنا عن الرسول عليه الصلاة والسلام بدون تفكر وتدبر، يعني لما يكون أكثر دعاء النبى صلى الله عليه وسلم “اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبى على دينك”، فهذا يعطيك رسالة بأن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء، فلا تغتر بصلاتك، ولا تغتر بدينك، ولا تغتر بصدقتك ولا بإحسانك، اسأل الله التثبيت لأنك لا تدرى كيف يختم لك، وهذه الرسالة تصلك من مثل هذا الحديث كان النبى الكريم صلى الله عليه وسلم أكثر ما يدعو.

 

“اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة” العفو والعافية، إذا عفا الله عنك وأعطاك العافية في الدنيا ماذا بعد ذلك؟ بعض الناس لا يستشعر قيمة النعم، الرسول صلى الله عليه وسلم يرسل لنا رسائل، ومن ذلك أنه يستعيذ من الآفات عليه الصلاة والصلاة ليعطينا رسالة أن نتفقد أنفسنا هل نحن مصابون بهذه الأمراض أم لا، فإن الذى يصاب بهذا المرض لابد أن يعلم أن هذا المرض سيحول بينه وبين تحقيق الهدف الذى من أجله خلقه الله عز وجل، فقال تعالى ” وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون” فكيف يعبدونه وهم كسالى؟ لا يمكن، فالعبادة بها مشقة، فيقول تعالى ” إنا سنلقى عليك قولا ثقيلا” ويقول النبى صلى الله عليه وسلم “حفت الجنة بالمكاره” فإن الجنة من أراد أن يدخلها لابد أن يأخذ بيده وبقوة إلى الجنة “يدخل الجنة أقوام يقادون إليها بالسلاسل” كما قال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم، وإن الجنة لا يدخلها النائمون والكسالى وأصحاب الترف وأصحاب التفاهات، لا يدخلها إلا أصحاب الجد والعزيمة الذين قتل أكثرهم فى سبيل الله.

 

أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم، وهكذا فإن المرء دون عمل لا يساوى شيئا، فإن مقامك عند الله على قدر عملك، فيقول تعالى ” يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون” فلا ترهق نفسك بالتكاليف الشاقة التي لا تطاق لأنه فى بعض الأحيان قد يحمّل الإنسان نفسه ما لا يطيق، فتحصل عنده ردة فعل عنيفة، فيسأم من العمل ويتركه ويتجه إلى بساط الكسل، ولذا قال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم “خذوا من العمل ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا” وقال صلى الله عليه وسلم “إن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل” فيجب عليك أن تتعرّف على طاقاتك، وتتعرف على مواهبك، وتستفيد مما أودعه الله عز وجل فيك، فإن كثير من الناس لا يعرفون مواهبهم، ولا يعرفون طاقاتهم، فقد دفنوها وقتلوها بالكسل والخمول وعدم العمل، وأيضا يجب عليكم أن تطلعوا على سير العظماء وأصحاب الهمم العالية لتروا ماذا أحدثوا فى هذا الكون، وماذا أحدثوا فى هذا العالم، وعلى رأسهم رسولنا النبى الكريم صلى الله عليه وسلم.

 

فماذا فعل النبى الكريم صلى الله عليه وسلم، فقد غيّر العالم كله فى سنين بتأييد من الله، فقد اختاره الله عز وجل من الخلق كلهم، فكان الاختيار على هذا الإنسان العظيم الذى صار مضرب مثل لكثير حتى من الكفار المنصفين، فإن العالم مليء بالقدوات حتى فى أمور الدنيا، يوجد من غير المسلمين، من الكفار أنفسهم، من أحدثوا أشياء عجيبة في هذه الحياة الدنيا، غيّروا أشياء وحصّلوا مكاسب، نعم هى دنيوية لكن بالجد والعزيمة قاوموا الكسل، وهناك شعوب من قرأ سيرتها وعرف ما قامت به يدرك هذه الحقيقة، كيف أن كثيرا من الناس عندهم هذه العزيمة التى يحققون بها ما يصبون إليه، ونحن أول ما نريد أن نحققه هو الجنة، ومن عرف الجنة وطمع فيها والله لا يعرف الكسل، كيف يكسل مسلم وهو يسمع قول الله تعالى” ففروا إلى الله” فتأمل في كلمة فروا، ليس مشيا، ولكنه ” ففروا إلى الله ” وهذا في عمل الآخرة، أما عمل الدنيا فتأمل في قوله تعالى فى سورة الملك ” هو الذى جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور”

 

ولذا يقال أيضا “إياك والكسل والضجر فإنك إن كسلت لم تؤد حقا، وإن ضجرت لم تصبر على الحق” ويقال أيضا وهذا شيء يلحظه من يمارس الرياضة أو من كان ممارسا لها ثم تركها “كل عضو إذا ترك استعماله بطل، كالعين إذا غمضت، واليد إذا عطلت”، ولذا عضو الإنسان إذا اعتاد على الحركة أصبحت الحركة له سهلة ميسرة، حتى لو زادها حركة في مستقبل أمره فإنه لا يجد معاناة ولا مشقة، بينما من أهمل عضوا من أعضائه وأراد أن يحركه ولو بعض الحركة فإنه يجد صعوبة ومشقة فى هذا الأمر، كذلك من أعظم ما يصاب به الإنسان من الكسل أن يصاب فى عقله، أن يكسل عقله ولذا يقول شيخ الإسلام رحمه الله “إن البحث فى دقائق الأمور ومسائلها يفتق الذهن” فكلما كان الإنسان متقد الذهن محركا له فإن ذهنه يكون متقدا ويتفتق ويصبح أكثر قبولا لأية معلومة تأتيه، ولذا من أعظم نوعي الكسل أن يكسل عقل الإنسان، وكيف يكسل عقله؟ إذا أهمله ونحَّاه عن التفكر والتدبر فى آلاء الله تعالى، كما أن النوع الآخر وهو كسل البدن.

 

سبب من أسباب تأخر الأمم فى جميع شؤونها، ولذا لا ترون الأمة قد تأخرت إلا من أسباب كسل العقول وكسل الأبدان، والكسل صفة ذميمة، ارتقاها واصطبغ بها واتسم بها المنافقون، ولذا من أعظم ما يصاب به الإنسان من فوات الخير أن يكسل في أمور دينه ولذا قال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين “أثقل الصلاة على المنافقين صلاة الفجر وصلاة العشاء” فالصلوات كافة هي عليهم ثقيلة، لكن من أثقلها صلاة الفجر وصلاة العشاء، فيقول النبى الكريم صلى الله عليه وسلم “أثقل الصلاة على المنافقين صلاة الفجر وصلاة العشاء، ولو يعملون ما فيهما أى من الخير لأتوهما ولو حبوا” ثم انطلق النبى الكريم صلى الله عليه وسلم، إلى صنف آخر من المسلمين ممن به بعض صفة المنافقين وهى صفة الكسل، فقال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم “ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا فيصلي بالناس، ثم أنطلق معى برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة” يعنى فى المساجد.

 

هم يصلون فى البيوت ولكنهم لا يصلون فى المساجد، وهذا ناتج من الكسل” ثم أنطلق معى برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار” ولذا قال الله تعالى عن هؤلاء المنافقين، فى سورة النساء ” إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا” ويقول ابن عباس رضى الله عنهما مستدلا بهذه الآيات “إن على المسلم الراغب في إقامة الصلاة والإتيان إليها ألا يقوم إليها على هيئة وصفة الكسلان، وإن كان يريد القيام إليها وذلك حتى لا يتشبه بالمنافقين” ولذا كان النبى صلى الله عليه وسلم كما ثبت في صحيح مسلم ” يستعيذ بالله سبحانه وتعالى من العجز والكسل” ويقول ابن القيم رحمه الله كما فى زاد المعاد يقول “إن العجز والكسل أحدهما قريب من الآخر” فيقول رحمه الله فيما يقول بتصرف “إن الإنسان ما يفوته من الخير إلا بسبب أمرين إما إنه لا يقوى على هذا الأمر الخيِر، أو أنه يقوى عليه ولكنه لا يريده.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى