مقال

بلال بن رباح رضي الله عنه رمز الإيمان الصادق والثابت

بلال بن رباح رضي الله عنه رمز الإيمان الصادق والثابت

بقلم د/ محمد بركات

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

 

بلال بن رباح رضي الله عنه الحبشي المؤذن، مولى أبي بكر الصديق ، وقد اشتراه ثم أعتقه، وكان له خازنًا، ولرسول الله مؤذنًا، وكان صادق الإسلام، طاهر القلب. واسم أبيه رباح، واسم أمه حمامة.

 

وقد ولد رحمه الله بعد حادث الفيل بثلاث سنين أو أقل، وكان رجلاً شديد الأدمة، نحيفًا، طوالاً، أجنأ ، له شعر كثير، خفيف العارضين.

 

وله قصة مشرفة في إسلامه رضي الله عنه:

فقد كان من السابقين إلى الإسلام، وقد رُوي أن رسول الله وأبا بكر اعتزلا في غار، فبينما هما كذلك إذ مرّ بهما بلال وهو في غنم عبد الله بن جدعان، وبلال مُولَّد من مولدي مكة. وكان لعبد الله بمكة مائة مملوك مولّد، فلما بعث الله نبيه أمر بهم فأخرجوا من مكة إلا بلالاً يرعى عليه غنمه تلك. فأطلع رسول الله رأسه من ذلك الغار، فقال: “يا راعي، هل من لبن؟” فقال بلال: ما لي إلا شاة منها قوتي، فإن شئتما آثرتكما بلبنها اليوم. فقال رسول الله: “اِيت بها”.

 

فجاء بها فدعا رسول الله بقعبه ، فاعتقلها رسول الله فحلب في القعب حتى ملأه فشرب حتى روي، ثم حلب حتى ملأه فسقى أبا بكر، ثم احتلب حتى ملأه فسقى بلالاً حتى روي، ثم أرسلها وهي أحفل ما كانت، ثم قال: “هل لك في الإسلام؟ فإني رسول الله”. فأسلم، وقال: “اكتم إسلامك”.

 

ففعل وانصرف بغنمه وبات بها وقد أضعف لبنها، فقال له أهله: لقد رعيت مرعى طيبًا فعليك به. فعاد إليه ثلاثة أيام يستقيهما ويتعلم الإسلام، حتى علم المشركون بإسلامه، فقاموا بتعذيبه أشد العذاب.

 

وله رضي الله عنه مكانة وفضل لا ينكره مسلم :

روى مسلم بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله لبلال عند صلاة الغداة: “يا بلال، حدثني بأرجى عمل عملته عندك في الإسلام منفعة؛ فإني سمعت الليلة خشف نعليك بين يدي في الجنة”.

 

قال بلال رضي الله عنه : ما عملت عملاً في الإسلام أرجى عندي منفعة من أني لا أتطهر طهورًا تامًّا في ساعة من ليل ولا نهار، إلا صليت بذلك الطهور ما كتب الله لي أن أصلي.

 

وروى البخاري بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كان عمر يقول: “أبو بكر سيدُنا، وأعتق سيدَنا”, يعني بلالاً.

 

وكان بلال رضي الله عنه هو أول من أذَّن للصلاة، وهو مؤذِّن الرسول؛ عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله: “نعم المرء بلال، هو سيد المؤذنين، ولا يتبعه إلا مؤذن، والمؤذنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة”.

 

وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم كامل الأثر في تربيته رضي الله عنه:

فعن عبد الله بن محمد بن الحنفية قال: انطلقت أنا وأبي إلى صهرٍ لنا من الأنصار نعوده، فحضرت الصلاة، فقال لبعض أهله: يا جارية، ائتوني بوضوء لعلِّي أصلي فأستريح. قال: فأنكرنا ذلك عليه، فقال: سمعت رسول الله يقول: “قم يا بلال، فأرحنا بالصلاة”.

 

لقد تربى بلال وتعلم في مدرسة النبوة، ورافق النبي كثيرًا، مما كان له الأثر الكبير في شخصيته . ولقد اكتشف النبي موهبته ومهارته وصوته النديّ، فأمره أن يؤذن، فكان أول مؤذن في الإسلام.

 

ومن أهم ملامح شخصية بلال بن رباح :

الصبر والثبات في سبيل الله :

 

قال عبد الله بن مسعود : “كان أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله ، وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد؛ فأما رسول الله فمنعه الله بعمه أبي طالب، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون وأُلبسوا أدراع الحديد وصهروهم في الشمس، فما منهم أحد إلا وأتاهم على ما أرادوا إلا بلال، فإنه هانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه فأخذوه فأعطوه الولدان، فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول: أحد أحد”.

 

وكان أميّة بن خلف يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة على صدره، ثم يقول: لا يزال على ذلك حتى يموت أو يكفر بمحمد. فيقول وهو في ذلك: أحد أحد.

 

تعرّض صناديد قريش للمستضعفين والعبيد من المسلمين بالعذاب الشديد حين أعلنوا إسلامهم؛ ليردّوهم عن دينهم، ومن الصحابة الذين عُذّبوا بلال بن رباح، ورغم ما لاقاه من العذاب الشديد إلّا أنّه لم يعطِ عدوّه الكلمة التي أرادها، بل بقي يردّد أحدٌ أحدٌ، ومن ألوان العذاب التي تعرّض لها أنّه كان يُلبّس درعاً حديداً، ويعرّض للحرارة الشديدة حتّى يبلغ الجهد منه ما يبلغ، وكان المشركون يأمرون صبيانهم فيشدّوا وثاقه بين أخشبي مكة، وبقي صابراً حتى سخّر الله له أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- فأعتقه.

 

ومن مواقف بلال بن رباح رضي الله عنه مع الرسول صلى الله عليه وسلم :

فقد روى البخاري بسنده، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه قال: سرنا مع النبي ليلة، فقال بعض القوم: لو عَرَّسْتَ بنا يا رسول الله. قال: “أخاف أن تناموا عن الصلاة”. قال بلال: أنا أوقظكم، فاضطجعوا. وأسند بلال ظهره إلى راحلته فغلبته عيناه فنام، فاستيقظ النبي وقد طلع حاجب الشمس، فقال: “يا بلال، أين ما قلت؟” قال: ما ألقيت عليَّ نومة مثلها قطُّ. قال: “إن الله قبض أرواحكم حين شاء، وردها عليكم حين شاء، يا بلال، قُمْ فأذن بالناس بالصلاة”.

 

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، عن بلال قال: قال رسول الله: “يا بلال، ألقِ الله فقيرًا ولا تلقه غنيًّا”. قال: قلت: وكيف لي بذلك يا رسول الله؟ قال: “إذا رزقت فلا تخبأ، وإذا سئلت فلا تمنع”. قال: قلت: وكيف لي بذلك يا رسول الله؟ قال: “هو ذاك وإلا فالنار”.

 

وله مواقف رضي الله عنه مع الصحابة رضوان الله عليهم :

فمع أبي بكر الصديق رضي الله عنه :

 

فيما جاء عن سهل قال: خرج النبي يصلح بين بني عمرو بن عوف وحانت الصلاة، فجاء بلالٌ أبا بكر فقال: حبس النبي، فتؤُمّ الناس؟ قال: نعم، إن شئتم. فأقام بلال الصلاة، فتقدم أبو بكر فصلى، فجاء النبي يمشي في الصفوف يشقها شقًّا حتى قام في الصف الأول، فأخذ الناس بالتصفيح، وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته، فلما أكثروا التفت فإذا النبي في الصف، فأشار إليه مكانك، فرفع أبو بكر يديه فحمد الله، ثم رجع القهقرى وراءه، وتقدم النبي فصلى.

 

وله موقف مع ابن عمر رضي الله عنه:

 

روى مسلم بسنده عن ابن عمر أن رسول الله دخل الكعبة هو وأسامة وبلال وعثمان بن طلحة الحجبي فأغلقها عليه ثم مكث فيها. قال ابن عمر : فسألت بلالاً حين خرج، ما صنع رسول الله؟ قال: “جعل عمودين عن يساره، وعمودًا عن يمينه، وثلاثة أعمدة وراءه”، وكان البيت يومئذٍ على ستة أعمدة ثم صلى.

 

ومن الأحاديث التي رواها بلال بن رباح رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم :

روى ابن ماجه بسنده، عن بلال بن رباح أن النبي قال له غداةَ جمعٍ: “يا بلال، أسكت الناس أو أنصت الناس”، ثم قال: “إن الله تطوَّل عليكم في جمعكم هذا، فوهب مسيئكم لمحسنكم، وأعطى محسنكم ما سأل، ادفعوا باسم الله”.

 

وعن بلال رضي الله عنه قال: أذَّنت في غداة باردة، فخرج النبي فلم ير في المسجد أحدًا، فقال: “أين الناس؟” فقلت: حبسهم القُرُّ. فقال: “اللهم أذهب عنهم البرد”. قال: فلقد رأيتهم يتروحون في الصلاة.

 

وله أثر طيب وصالح في الآخرين :

فقد روى عنه أحاديثَ النبي ﷺ أكثرُ من عشرين من الصحابة والتابعين، فممن روى عنه من الصحابة: أسامة بن زيد، والبراء بن عازب، وطارق بن شهاب بن عبد شمس، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وكعب بن عجرة، ووهب بن عبد الله. وممن روى عنه من التابعين: الأسود بن يزيد بن قيس، وشهر بن حوشب، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وغيرهم.

 

ومن كلمات بلال بن رباح رضي الله عنه:

كان يقول عن نفسه تواضعًا: “إنما أنا حبشي، كنت بالأمس عبدًا”.

 

وعن هند امرأة بلال قالت: كان بلال إذا أخذ مضجعه قال: “اللهم تجاوز عن سيئاتي، واعذرني بعلاتي”.

 

وجاءت وفاة بلال بن رباح رضي الله عنه :

لما احتضر بلال نادت امرأته: واحزاناه! فقال: “واطرباه! غدًا ألقى الأحبة محمدًا وحزبَه”.

 

وقد مات بدمشق سنة عشرين، فدفن عند الباب الصغير في مقبرة دمشق، وهو ابن بضع وستين سنة.

 

رحم الله الصحابي الجليل بلال بن رباح رمز الإيمان الصادق والثابت رحمه الله وألحقنا به مؤمنين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى