مقال

دروس عظيمة من غزوة أحد .. “الجزء الثانى” إعداد محمـــد الدكـــرورى

دروس عظيمة من غزوة أحد “الجزء الثانى”
إعداد محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثانى مع دروس عظيمه من يوم أحد، وتقدمت قريش وحثوا من حولهم على التطوع في دخول تلك المعركة، فانضم في صفوف القتال ما يقارب ثلاثة آلاف شخص بينهم نساء، وجمعوا الأموال والدروع والعير، استعدادا للهجوم على المسلمين، لكن عيون النبى صلى الله عليه وسلم الموجودة في الأنحاء بلغها خبر استعداد قريش للقتال، ووصل الخبر إلى النبى صلى الله عليه وسلم فاجتمع مع أصحابه مشاورا إياهم في الحال المستجد، فاستنفر المسلمون وبدأوا بجمع أسلحتهم ووضع المراقبة الحثيثة في مداخل المدينة استعدادا للأمر الطارئ، وأنه لم تهدأ ثائرة قريش بعد هزيمتهم المنكرة في غزوة بدر، وما خلفه ذلك من مقتل خيرة فرسانها، وجرح لكرامتها، وزعزعة لمكانتها بين القبائل، فأجمعت أمرها على الانتقام لقتلاها، وألهب مشاعرها الرغبة الجامحة في القضاء على الإسلام وتقويض دولته، ولم يكن ذلك الدافع الوحيد لاستعادة هيبتها، إذ كانت تجارة قريش قد تأثّرت بشدة من الضربات المتكررة.

التي نفذتها سرايا المؤمنين، وما قامت به من التعرض للقوافل التجارية من أجل قطع الإمدادات والمؤن التي كانت تأتيهم من الشام وما حولها، فكان لذلك أثره في إنهاك قريش وإضعافها، لهذا وذاك، قام أبو سفيان في قومه يؤلب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجمع القوات، حتى بلغ لديه قرابة ثلاثة ألف رجل ومائتي فارس، من قريش وما حولها من القبائل العربية، ثم أمر أبو سفيان الجيش بأخذ النساء والعبيد، حتى يستميت الناس في الدفاع عن أعراضهم، وانطلقوا ميمّمين وجوههم شطر المدينة، وهنا أحسّ العباس بن عبدالمطلب بخطورة الموقف وكان يومئذ مشركا فبعث برسالة عاجلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره فيها بخبر القوم، ويبيّن له إمكانات الجيش وقدراته الحربية، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد الاستيثاق مما ورد في هذه الرسالة، فأرسل الحُباب بن المنذر بن جموح رضي الله عنه ليستطلع الخبر، فعاد إليه مؤكدا ما ورد في الرسالة، واجتمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه.

وشاورهم في الخروج من المدينة للقاء العدو، أو البقاء فيها والتحصن بداخلها، فاختار بعضهم البقاء في المدينة، ومال النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الرأى، بناء على أن جموع قريش لن تقوى على القتال بين الأزقة والطرقات، ويمكن للنساء والأبناء المشاركة في الدفاع عن المدينة من شرفات البيوت وأسطحها، كما أن التحصن فيها سيتيح فرصة استخدام أسلحة لها أثرها في صفوف العدو كالحجارة ونحوها، بينما اختار الخروج إلى العدو الرجال المتحمسون الذين حرموا من شهود يوم بدر، وتاقت نفوسهم إلى الجهاد في سبيل الله، وطمعوا في نيل الشهادة ، فألحّوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرج لقتالهم، وقالوا له ” يا رسول الله، كنا نتمنى هذا اليوم وندعو الله، فقد ساقه إلينا وقرب المسير، اخرج بنا إلى أعدائنا، لا يرون أنا جبنا عن لقائهم ” وأمام هذا الإلحاح لم يجد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بُدا من اختيار هذا الرأى ، فدخل بيته ولبس عدة الحرب، ولما أفاقوا من نشوة حماسهم بدا لهم أنهم.

أكرهوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر لم يرده، وشعروا بحرج بالغ، فتلاوموا فيما بينهم، وأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة بن عبدالمطلب ليعتذر عن ذلك فقال ” يا نبي الله، إن القوم تلاوموا وقالوا أَمرنا لأمرك تبع ” لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى أن من الحزم المضي قدما في اختياره، فقال صلى الله عليه وسلم “إنه لا ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله” وفي ليلة الجمعة تأهب الناس للخروج، واستعدوا للقتال، وعيّن النبي صلى الله عليه وسلم من يقوم بحراسة المدينة، ثم تحرك الجيش المكون من ألف رجل وسلكوا طريقا مختصرا تمر بأرض رجل منافق ضرير يقال له ربعي بن قيظي، وفي رواية مربع بن قيظي، فلما أحس الرجل بالجيش جعل يحثو التراب في وجوههم ويقول ” لا أحل لكم أن تدخلوا حائطي ” وذكر أنه أخذ حفنة من تراب ثم قال” والله لو أعلم أني لا أصيب بها غيرك يا محمد لضربت بها وجهك ” فتواثب القوم إليه ليقتلوه لكن النبي صلى الله عليه وسلم نهرهم.

وقال صلى الله عليه وسلم”لا تقتلوه فهذا أعمى القلب أعمى البصر” واستمر الجيش في مسيره حتى بلغوا بستانا يقال له الشوط، عندها انسحب عبدالله بن أبي بن سلول بحركة ماكرة ومعه ثلث الجيش يريد أن يوهن من عزائم المسلمين ويفت في عضدهم، ويوقع الفرقة في صفوفهم، مبررا ذلك حينا باستبعاده أن يحدث قتال، وحينا باعتراضه على قرار القتال خارج المدينة، وقائلا ” أطاع الولدان ومن لا رأى له، أطاعهم وعصاني، علام نقتل أنفسنا ؟ ولقد حاول عبدالله بن حرام رضي الله عنه أن يثنيهم عن عزمهم، وقال لهم” يا قوم أذكركم الله أن لا تخذلوا قومكم ونبيكم عندما حضر عدوهم ” فردوا عليه ” لو نعلم أنكم تقاتلون لما أسلمناكم، ولكنا لا نرى أن يكون قتال ” وسجل القرآن هذه الأحداث في قوله تعالى كما جاء فى سورة آل عمران ” وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين، وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى