مقال

لا حوار في بلد الحوار .. بقلم زينب محمود حوسو

لا حوار في بلد الحوار
كتبت/زينب محمود حوسو
ما أغزر الثرثرة، في فلسطين ، وما أقل الكلام المفيد.
إنّ زعماءنا ومسئولينا من أكثر المسؤولين في العالم كلاماً: ندر أن يمر يوم بغير خطاب، لهذا أو ذاك من زعمائنا العديدين،
والوزراء، ما أشدّ فصاحتهم، لا يكادون يكفّون عن الكلام،
والنواب يطلقون سيلاً من التصريحات، على مدار الساعة، وبعضهم يتصدى لمعالجة قضايا الكون كافة، يومياً، مستفيداً من تعدد وسائل الإعلام المسموع والمرئي والمكتوب التي تعمم صورته وصوته على البيوت والمقاهي والدكاكين والمسابح الفخمة،
ثم تجيء المراجع الدينية، وكلّها ضليع بعلم الكلام، وكلّها غزير العلم حاضر الموعظة والنصيحة والخطبة العصماء،
مع ذلك فلا حوار في بلد الحوار.
الكلّ يتكلم في الوقت نفسه، فلا يكاد أحد يسمع أحداً،
وكلّ يقول نقيض ما يقوله الآخر، ويجد من يصدّقه،
لا الرقم هو الرقم، ولا الواقعة هي الواقعة بذاتها، ولا الكلام المنقول هو ما قيل فعلاً، وبالتالي فلا يقين!
المعارضة، وهي بورصة مفتوحة قد يتزايد المضاربون فيها وقد يتناقصون، تتهم الحكومة صراحة بالكذب،والحكومة، التي يكاد يلخصها رئيسها، ترد على المعارضة التحية بأحسن منها فتتهمها بالتضليل والتزوير في الأرقام كما في الوقائع،
والمواطن المطحون بضائقته المعيشية يأخذ كلام الطرفين فيقسمه على اثنين، ثم لا يصدق إلا أرقام كلفة حياته اليومية،وكأي مواطن، في أي بلد في الدنيا، فهو كان على استعداد لان يصدق المعارضة لو أنها “مؤسسة” لها برنامجها، ولها دراساتها، الموثقة،
لكنه يجد المعارضة معارضات مشتبكة في ما بينها، والصراع محتدم بين فصائلها، بحيث لا تجتمع على برنامج أو على قيادة أو حتى على رقم أو واقعة محددة.
بعض المعارضات ضد العهد كله،
وبعض المعارضات ضد رئيس الحكومة وحده،
وبعض ثالث ضد الوزراء ومع رئيسهم،
بعضها ضد المجلس النيابي كله،
وبعضها مع رئيس المجلس وضد النواب، كلهم أو بعضهم.
ثم ان المعارضة موسمية: تعنف هذا الأسبوع ليخفت صوتها في الأسبوع المقبل، وكثير من فصائلها يفضل “التأمل” حتى أيلول، أو يمضي “الوقت الضائع” في زورق سريع، في انتظار الاستنفار الرئاسي العام.
لا حوار، في بلد الحوار.
والرقم أداة مناورة سياسية، أو سلاح للتشهير بالحاكم أو المعارض (على حد سواء): يمكن زيادته في حال النكاية والمكايدة، ويمكن إنقاصه في حال الرضا.. نفاقاً أو تملقاً أو مداهنة للجمهور المحبط!
كيف السبيل، والحال هذه، الى تشخيص دقيق للأزمة بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟!
هل فلسطين فعلاً على أبواب ثورة لا تبقي ولا تذر، أم أنها على أبواب نهوض اقتصادي فريد مثاله يضاف الى سلسلة المعجزات الفلسطينية المحيرة؟!
إن المسافة بين الرقم الحكومي والرقم المعارض فلكية،وفي غياب الحوار الجاد لا مجال لاعتماد أحد الرقمين، فالمسؤولون، في الحكم كما في المعارضة، خطوط متوازية، لا تلتقي، إنهم آحاد وليسوا مجموعة تحمل هم البلاد والعباد.
لذا يبدو الناس وكأنهم باتوا خارج دائرة الكلام المتبادل بين آحاد الحاكمين وآحاد المعارضين،
والزمن استثمار يضيع هدراً، فمن يبدأ الحوار..
من يأخذ المبادرة في تحويل الثرثرة الى مشروع عقد اجتماعي جديد يؤسس للسلطة الثالثة العتيدة؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى