مقال

نسائم الايمان ومع كل نفس بما كسبت ” الجزء العاشر”

نسائم الايمان ومع كل نفس بما كسبت ” الجزء العاشر”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء العاشر مع كل نفس بما كسبت، فإنه الصدق الذي يعيش به القلب والبدن والظاهر والباطن في رعاية تامة لأوامر الله جل وعلا، والاستقامة على منهجه سبحانه، إنها تربية الباطن باليقظة الدائمة، والحذر التام من الجبار عز وجل ومن سخطه وأليم عقابه، والسعي إلى رضوانه وجنته ولهذا فالأمة المسلمة اليوم وهي تحيط بها الفتن من كل جانب، وتعلو حياتها المصائب من كل حدب في أمس الحاجة للصدق مع الله عز وجل صدق الإيمان والطاعة، صدق التوجه والإرادة، صدق العمل والاتباع في كل شأن، وفي جميع مجالات الحياة، فإن هذا الأصل هو المقوم لعمل الأفراد والمجتمعات نحو الإصلاح والفلاح والعاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة، وهو الذي يقودها إلى الظفر بالمطلوب والنجاة من المرهوب، ولهذا فالحاكم في حاجة للصدق مع الله عز وجل في سياسة الرعية ومراعاة مصالحهم والقيام على تحقيق شئونهم، وكذلك الرعية في حاجة إلى الصدق مع الله عز وجل في طاعة الحاكم على المنهج الإسلامى

 

الذي جاء به الشرع المطهّر لتحقيق مجتمع فاضل تتحقق فيه الحياة الطيبة والعيشة الرضية، وهكذا كل مسئول لا يستقيم منهجه ولا يصلح عمله ولا يفلح سعيه إلا إذا صدق مع الله عز وجل وصدق في المنهج الشرعي الذي تقوم عليه أصول مسئوليته، وكان ابتغاء رضوان الله ونيل ما عنده الباعث له في كل تصرفاته، فالقاضي لا يوفق إلى الصواب إلا بصدق تام مع الله عز وجل والمفتي لا يهتدي إلى ما فيه براءة ذمته إلا إذا كان صادقا مع الله ظاهرا وباطنا، وهكذا التاجر في تجارته، والعامل في صنعته، والكاتب في كتابته، والإعلامي في إعلامه، فإن الصدق مع الله عز وجل تظهر حقيقته في الخوف من الله باطنا وظاهرا فتكون الحركات والسكنات والتصرفات والتوجهات والإرادات والأعمال والأقوال كلها محكومة بأمر الله سبحانه وتعالى وأمر رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، محاطة بسياج المنهج القرآني والهدي النبوى، مراد بها وجه الله، لا تخالطها أهواء نفسية، ولا تخالجها مصالح شخصية، ولا تحكمها نزعات دنيوية. 

 

ولا توجهات شخصية، بل الحكم في المنشط والمكره، والمرجع في العسر واليسر، والمرد في الرخاء والشدة، تحقيق شرع الله، وامتثال أمره، وسواء كان ذلك مع الصديق أو مع العدو، أو مع القريب والبعيد، أو مع الغني والفقير، فيقول أبو بكر الصديق رضى الله عنه “لا خير في قول لا يريد به صاحبه وجه الله” ويقول خالد بن الوليد رضي الله عنه “رحم الله عمر، إن أقواله وأفعاله كلها مراد بها وجه الله” إنه الصدق الذي تضمحل معه حظوظ النفوس ومشتهياتها ففي قصة سقيفة بني سعد، بعد أن اختار أبو بكر عمر وأبا عبيدة ليبايعا قال عمر “والله ما كرهت من قوله إلا ذلك” ثم قال “والله لأن أقدم فأضرب فيضرب عنقى لا يقربنى ذلك من إثم، أحب إلى من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر ” ثم قال “ابسط يدك” فبايعه ثم بايعه المهاجرون والأنصار، إنه الصدق الذي حدا بالإمام علي رضي الله عنه حينما قال أبو بكر في أثناء البيعة وطلب الاعتذار، قال له علي “والله لا نقيلك ولا نستقيلك قدّمك رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ذا يؤخرك؟” 

 

إنه الصدق الذي حدا بالأنصار أن يقولوا “نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر، قدّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في ديننا” أي في الصلاة، وما أروع ما ضربه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من نماذج رائعة في الصدق مع البارئ سبحانه وتعالى بفضل التربية النبوية، والمدرسة المحمدية، فقد ذكر ابن حجر رحمه الله “أن سعد بن خيثمة استهم هو وأبوه يوم بدر فخرج سهم سعد، فقال له أبوه يابني آثرني اليوم، فقال سعد يا أبتى لو كان غير الجنة فعلت، فخرج سعد إلى بدر وبقي أبوه، فقتل بها سعد وقتل أبوه بعد ذلك خيثمة يوم أحد” كل ذلك بسبب الصدق مع الله عز وجل فنالوا الشهادة التي هي أعظم مطلوب، وقيل أن عمير بن أبي وقاص رُدّ يوم بدر لصغره، فبكى فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم قال سعد أخوه “رأيت أخي عميرا قبل أن يعرضنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر يتوارى حتى لا يراه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت مالك يا أخي؟ فقال إني أخاف أن يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستصغرني ويردنى.

 

وأنا أحب الخروج لعل الله أن يرزقني الشهادة، فصدق وصدقه الله وأعلى درجاته بالشهادة في سبيله” وقيل أيضا أن أنس بن النضر رضي الله عنه كان يأسف أسفا شديدا لعدم شهوده بدرا، فقال والله لئن أراني الله مشهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرينّ الله ما كيف أصنع وصدق في وعده مع الله، فلما كان يوم أحد مر على قوم أذهلتهم شائعة موت النبي صلى الله عليه وسلم وألقوا بسلاحهم، فقال “ما يجلسكم؟ قالوا قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ياقوم إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل فإن رب محمد حي لا يموت، وموتوا على ما مات عليه رسول الله” وقال “اللهم إني أعتذر إليك مما قال هؤلاء” ثم لقي سعد بن معاذ فقال “ياسعد، إني لأجد ريح الجنة دون أحد” ثم ألقى بنفسه في صف المشركين وما زال يقاتل حتى استشهد فوجد فيه بضع وثمانون ما بين ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، فلم تعرفه إلا أخته ببنانه” والأمثلة والنماذج الرائعة في صدقهم مع الله عز وجل أكثر من أن تحصر مما بوأهم المكانة السامية والمنزلة الرفيعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى