مقال

نفحات إيمانية و لله على الناس حج البيت ” الجزء التاسع

نفحات إيمانية و لله على الناس حج البيت ” الجزء التاسع

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء التاسع مع لله على الناس حج البيت، وإن من عظيم فضل الله علينا ومنته أن جعل عقيدتنا وشريعتنا من الروافد الأساسية، في تربية النفس وتقويم أودها والرقي بالذات نحو مدارج الكمال ومعالي الأمور، فالإيمان بالله كفيل بغرس الهيبة في النفوس لعظمته وجلاله سبحانه والإيمان بالملائكة يربي فينا المراقبة الذاتية وتأمل معاني الأسماء الحسنى والصفات العلى يفيض على النفس شعورا بقرب السميع العليم البصير فلا تجنح نفس المؤمن للخطأ ويطرد اليأس عنا معاني الحكيم العليم الخبير، وأما الشريعة الغراء فلها ما للعقيدة من أثر سامي فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وتعود على الانضباط والإتقان، والزكاة مدرسة للبذل والعطاء وطهرة للنفوس، والصيام يعلم الصبر بأنواعه ويوحد مشاعر المجتمع في حالة يعز نظيرها. 

 

وهذه القضية عامة في جل العبادات غير أن لها ظهورا ومزيد جلاء في عبادة عظيمة تعاقب على أدائها الأنبياء والصالحون وسيبقى ولع المسلمين بها وشوقهم إليها إلى أن يأتي أمر الله سبحانه وهذه العبادة هي الحج التي تجعل للعبد فرصة الخروج من ذنوبه وآثامه كيوم ولدته أمه كما صح بهذا الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فمن آثار الحج التربوية على الفرد والأمة هو تأصيل قضية التوحيد في النفوس وتأكيدها وبهذا يتحقق الإخلاص وهو شرط صحة العبادة الأول فنية الحج خالصة لله سبحانه، وفي التلبية وهي شعار الحج جاء إفراد الله بالنسك صريحا” لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك” وأيضا توحيد المتابعة وهو شرط صحة وقبول العبادة الثاني وتكون المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وتقريراته. 

 

وبذلك يتحقق للعبد توحيد المتابعة وينجو من شرك الطاعة وشَرك الابتداع وقيد العوائد وتغلب الأهواء إذ عن شخص النبي صلى الله عليه وسلم فقط تؤخذ المناسك، وأيضا البراءة من المشركين ومخالفتهم وهذا مطلب شرعي حيث خالفهم النبي صلى الله عليه وسلم في مواضع مختلفة من الحج مثل الإهلال بالعمرة في أشهر الحج، التلبية، الوقوف بعرفة، والدفع من مزدلفة، فليتنا نأخذ درسا في العزة والبراءة من تقليد المشركين التي ابتلي بها فئام من أبناء المسلمين فتراهم مستهترين بالعدو الغازي مولعين بتقليد حثالة رجاله ونسائه في أمور أقل ما يكون فيها انعدام الفائدة فكيف بخزايا الأعمال ومساوي الأخلاق؟ ومن الدروس هو تعظيم شعائر الله وهي من أعظم غايات الحج حيث يتربى العبد على تعظيمها وإجلالها ومحبتها وإكرام أهلها.

 

والتحرج من المساس بها أو هتك حرمتها، ويزداد التعظيم والخضوع بترك تغطية الرأس، وكذلك التربية على الأخلاق الحسنة والخلال الحميدة ومنها العفة وكظم الغيظ وترك الجدال، فالرفث هو الجماع ودواعيه من قول أو فعل، والجدال أن تجادل صاحبك حتى تغضبه ويغضبك، ومنها اللين والرفق والسكينة كما قال عليه الصلاة والسلام حين سمع جلبة وصخبا في الدفع لمزدلفة “أيها الناس عليكم بالسكينة، فإن البر ليس بالإيضاع” والإيضاع هو الإسراع، ومنها إنكار الذات وتجاوز أغلالها والاندماج في المجموع في اللباس والهتاف وفي التنقل والعمل، ومنها التربية على التواضع حين لا يمتاز أحد عن أحد وليس لحاج خاصية أو ميزة عن غيره من الحجاج في الأمور الدينية فالأركان والواجبات والمسنونات متماثلة في حق الجميع.

 

ومنها التربية على الصبر بأنواعه، مثل صبر على مشقة الطاعة، وصبر عن المعصية خاصة مع التزاحم وكثرة الناس وصبر على قضاء الله الذي يعرض للحاج، ومنها التربية على البذل والسخاء فالحج عبادة بدنية مالية وفي المشاعر تتسامى المشاعر فيبذل الموسر من ماله لسقيا الحجاج أو تفريج كربهم وسد حاجتهم، ومنها تحقيق معاني الأخوة وحصول المحبة والتآلف والتضحية خاصة حين يكون الحج مع رفقة وصحبة، وأيضا التربية على تحمل تبعات الخطأ ويظهر ذلك جليا في وجوب الفدية على من ارتكب محظورا من محظورات الإحرام أو ترك واجبا، ولاشك أن الشعور بالمسؤولية وتحملها علامة نضج وكمال الإنسان وهي غاية من غايات التربية لا جرم، وكذلك التذكير باليوم الآخر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى