مقال

فريضة الحج وبناء الكعبة المشرفة ” الجزء الثانى”

فريضة الحج وبناء الكعبة المشرفة ” الجزء الثانى”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثانى مع فريضة الحج وبناء الكعبة المشرفة، وإن العلماء قد اختلفوا هل فرض الحج في السنة السادسة من الهجرة، أم في السنة التاسعة من الهجرة؟ والصواب أنه في السنة التاسعة من الهجرة، وأما قوله تعالى “وأتموا الحج والعمرة لله” التي نزلت في الحديبية فهذا أمر بالإتمام وليس أمر ابتداء، أمر الابتداء جاء في قوله تعالى “ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا” وهذه الآية نزلت في السنة التاسعة من الهجرة، ولأن الحكمة تقتضي ذلك لأن مكة كانت قبل فتحها بلاد كفر، ومنع قريش للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من إتمام العمرة ليس ببعيد إذ أنهم منعوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من إتمام العمرة لما جاء معتمرا في السنة السادسة من الهجرة.

 

فليس من الحكمة أن يفرض الله سبحانه وتعالى الحج على عباده وقريش لهم بالمرصاد، ولكن لما فتحت مكة وصارت بلاد إسلام في السنة الثامنة، حينئذ اقتضت حكمة الله عز وجل فرض الحج، ففرض في السنة التاسعة من الهجرة، ولم يحج النبي صلى الله عليه وسلم في السنة التاسعة من الهجرة لسببين، فالسبب الأول أن هذه السنة كانت سنة الوفود، أي أن العرب كانوا يفدون إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة يتلقون عنه شرائع الإسلام، فغيابه عنها مع تكاثر الوفود إليها ربما يكون فيه فوات مصلحة عظيمة، لهذا أخر النبي صلى الله عليه وسلم الحج إلى السنة العاشرة، والسبب الثاني هو أنه في السنة التاسعة كان الحجاج خليطا من المسلمين والمشركين.

 

فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤذن في ذلك العام ألا يحج بعد العام مشرك حتى تتحمض حجة النبي صلى الله عليه وسلم في قوم مسلمين لا مشركين معه، ولهذا لم يحج النبي صلى الله عليه وسلم إلا في السنة العاشرة من الهجرة، والذي يجب عليه الحج هو المسلم البالغ العاقل المستطيع، لقول الله تبارك وتعالى “ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا” والاستطاعة نوعان استطاعة بالبدن، واستطاعة بالمال، فالاستطاعة بالمال شرط للوجوب، والاستطاعة بالبدن شرط للأداء، فإذا كان الإنسان فقيراً ليس عنده مال فإنه لا يجب عليه الحج إذا كان يحتاج إلى راحلة لأنه لا يستطيع ولو كان بدنه قويا، وإذا كان عنده مال لكن لا يستطيع أن يحج ببدنه لأنه ضعيف كبير.

 

أو مريض مرضا لا يرجى برؤه فإنه يجب عليه أن يقيم من يحج عنه، فالاستطاعة بالبدن شرط للأداء، والاستطاعة بالمال شرط للوجوب، ومن الاستطاعة بالمال ألا يكون على الإنسان دين، فإن كان عليه دين فإنه لا يلزمه الحج، ولا يأثم بتركه، ولو مات وهو لم يحج فإنه لا يعاقب لأنه ليس بقادر، إذ أن قضاء الدين أهم من الحج، وإسقاط الله الحج عن المدين من رحمته به، فينبغي للإنسان أن يقبل رخصة الله، وأن يقضي دينه أولا ثم يحج ثانيا، إذن لو حج بالمال لفات من قضاء دينه بمقدار ما أنفق على حجه، وأما إذا كان الإنسان عنده مال وليس عليه دين لكنه أعده للزواج فيقول إن حججت نقص المال واحتجت إلى الناس لإكمال المهر، وإن لم أحج صار عندي المهر كاملا فهل أقدم النكاح أو أقدم الحج؟

 

فإذا كان الإنسان يخشى على نفسه الفتنة بتأخر النكاح، وعنده شهوة قوية، فإنه لا يحج ويصرف المال في النكاح لأن الإنسان إذا كان في حاجة إلى النكاح فهو كالإنسان الذي يكون في حاجة إلى الطعام والشراب، بل ربما يفتتن بترك النكاح أكثر مما لو لم يأكل ويشرب، فالمسألة فيها تفصيل فإذا كان الإنسان يخشى على نفسه الفتنة وهو قوي الشهوة فإنه يقدم النكاح على الحج، وإن كان الأمر بالعكس فليقدم الحج على النكاح، فإذا قال قائل أنا طالب علم وفي حاجة إلى الكتب، فهل أشتري بما عندي من المال الكتب التي أحتاجها أو أحج؟ فالصحيح أن يشترى الكتب التي يحتاجها لأن حاجته للكتب كحاجته للطعام والشراب الكمالي ليس الضرورى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى