مقال

من المتسبّب في هذه “الديستوبيا”؟

من المتسبّب في هذه “الديستوبيا”؟
………………………
رشيد مصباح (فوزي)
……………
مداوروش في:
*
الفوضى العمرانية التي تفشّت في المدن الجزائرية الصّغيرة والكبيرة تعكس مستوى الرّداءة وغياب الوعي وروح المسؤولية والكفاءة لدى إطاراتنا. ولقد سبق لي أن طرحتُ سؤالا على أحد المهندسين العمرانيين عن السبب في هذه التصاميم النمطية التي لا تجد ما يبرّرها على الصعيد الفنّي والعمراني والتقليدي الاجتماعي خاصّة، ونحن كمسلمين لدينا تراثنا وتقاليدنا الأصيلة.
وفي غياب استراتيجية واضحة فقد أصبح العمران خبط عشواء، ولعبة في يد الشيطان يعبث بها كما يشاء، والشعبوية في منح القطع الأرضية بطرق عشوائية ومشبوهة، هي واحدة من بين هذه الألاعيب.
في بداية التسعينيّات وبعد حل المجالس المحليّة المنتخبة و تعويضها بمندوبيات، في تلك الأيام الصّعبة التي تميّزت بالانفلات الأمني وغياب الرّقابة على الأملاك والممتلكات، بسبب انشغال السّلطة بمحاربة الإرهاب، تم ترقية رئيس دائرة بإحدى ولايات الشرق الجزائري إلى منصب أمين عام بوزارة الداخلية. وفي أوّل خرجة لهذا الإطار الجديد قام بدعوة مندوبي بلديات الشرق لعقد جلسة تحسيسية تتعلّق بالتسيير اليومي للجماعات المحليّة، داخل الولاية والبلدية. ما يهمّنا من هذا الاجتماع الفجائي هو أن هذا الإطار، والذي لم يكن يتوقّع أن يترقّى بتلك الطّريقة غير العادية ليغدو بين عشية وضحاها الرجل الثاني في أهم وأخطر وزارة على الإطلاق، طلب من المندوبين المحليّين أن يفعلوا أيّ شيء من أجل كسب رضاء المواطنين. ووصلت الرّسالة إلى هؤلاء الذين لم يكونوا ليحصلوا على الضوء الأخضر ويعبثوا بالمال العام والأراضي والممتلكات لولا الظروف القاسية التي عرفتها البلاد في تلك الأيّام.
بات الفرق واضحا، وضوح الشمس في رابعة النّهار، بين النسيج العمراني القديم أو العتيق الذي يعود إلى سنوات ما قبل الاستقلال، كما في عديد المدن الكبرى و السّاحلية منها خاصّة، والبناء الجديد كالذي نراه قد انتشر “كالنّار في الهشيم” و”كالفطر في أماكن الرطوبة” في المدن التي نشأت بعد الاستقلال، كالفرق بين الأرض والسماء. وكذلك داخل المدن والقرى ذاتها، وبين البنايات في مختلف الأحياء بنفس البلدة.
وفي البلدة التي أسكن فيها مثلا نلاحظ الفرق الكبير بين البناء القديم الذي يعود إلى سنوات الاحتلال، من حيث انسجامها وتجاوبها مع كافة الشّروط العمرانية. وأما بالنسبة للبنايات التي نشأت حديثا فمعظمها لا يتوفّر فيها شروط الحياة. كحي (عاشوري علي) على سبيل المثال، والذي غابت فيه كل شروط الحياة الكريمة، حتى إنّه بات يشكّل معضلة على أهله وعلى القطاعين العام والخاص، وعلى الدولة ومؤّسّساتها. وصار يتعذّر على الإنسان المرور فيه بسبب الرّوائح الكريهة التي تنبعث من هنا وهناك، وفي غياب الصّرف الصحّي، وبعض المظاهر “الديستوبيةّ” الفاسدة كالتي نراها في الأفلام الهولوودية. والسّؤال الذي يطرح نفسه هو كالتّالي: من المتسبّب وما السبيل إلى حل هذه المعضلة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى