مقال

نفحات إيمانية ومع التخطيط والهجرة النبوية ” الجزء الثامن “

نفحات إيمانية ومع التخطيط والهجرة النبوية ” الجزء الثامن ”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثامن مع التخطيط والهجرة النبوية، ولقد أذن الله تعالى بهذه الهجرة أن تقوم في المدينة دولة الإسلام، فحمت المؤمنين من عربدة الجاهلية وحققت حكم القرآن في واقع الحياة، وجعلت الإسلام حقيقة بارزة ترى وتسمع في الأرض، وأقامت المجتمع الإسلامي نموذجا متفردا بين الأمم جميعا، وغدت قاعدة الإسلام وداره التي يأوي إليها المعذبون في الأرض، فيجدون الأمن والإيمان، ويتعلمون الدين ويتزودون بالفضائل والأخلاق، ثم يخرجون إلى أطراف الأرض دعاة وهداة، وأن من دروس الهجرة النبوية الشريفة هو عدم الاعتماد على الغير، لأنها علمتنا أن العمل من شعائر الإسلام، وأن البطالة لا يمكن أن تكون بأي حال من الأحوال من ركائز هذا الدين.

 

ورأينا النبي صلى الله عليه وسلم، يوزع العمل بين المهاجرين والأنصار، ولم تكن هناك فرصة لأي صحابي أن يترك العمل، فالبطالة والفراغ تتولد فيهما جراثيم المنغصات، وإذا كان العمل رسالة الأحياء فإن العاطلين موتي، ورأينا نسوة نبى الله يوسف عليه السلام، على سبيل المثال لماذا صنعوا ما صنعوا حين اجتمعوا على الأرائك، وأتوا بالسكاكين حبا وغراما وهياما في يوسف؟ أليس كل ذلك لأنهن كن عاطلات عن العمل، قتلهن الفراغ والجلوس يمنة ويسرة، فإذا كان الله تعالى خلق الناس لحياة عالية عنده، فإن أخسر الناس هم الذين لا يبذلون حياتهم في طاعة الله عز وجل، وما نشاهده اليوم من أعمال البلطجة والسرقة فإنما مرد ذلك لشيء واحد هو الفراغ.

 

ولهذا قال النبى صلى الله عليه وسلم “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ” فعلم النفس أثبت أن الإنسان مهما أوتي من قدرة خارقة ومن ذكاء لا يمكن أن يجمع بين أمرين في وقت واحد، أي لا يمكنه أن يجمع بين العمل والتنغيص ساعة العمل، ولذلك كان الحسن البصري يقول “أدركت أقواما كانوا أحرص علي أوقاتهم منكم علي دنانيركم ودراهمكم” وقد قال بعض العلماء “عجبت لمن يومه يأكل شهره، وشهره يأكل سنته، وسنته تأكل عمره، وهو مع ذلك غافل لا يدري” وقد يسأل سائل لماذا لم تقم الهجرة على المعجزة الربانية مثلما حدث في رحلتي الإسراء والمعراج يأتيه البراق ويذهب به إلى المكان الذي يريده؟

 

لا بد أن نحدد الفرق بين الهجرة والإسراء والمعراج، فإن الإسراء والمعراج كانت معجزة الهدف منها التسرية والتسلية لقلب النبي صلى الله عليه وسلم وخاصة بعد الأحداث العظيمة التي حدث في عام الحزن من شدة تعذيب وفقدان زوجته السيدة خديجة رضي الله عنها وعمه أبي طالب، أما الهجرة المباركة كان من الممكن أن يهاجر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام بكلمة كن ولكن لم يحدث لأن الهدف من الهجرة هو تأسيس دولة الإسلام والإبقاء على الإسلام فتأسيس دولة الإسلام لا يقوم على المعجزات ولا خوارق العادات، فلا بد من بذل الجهد البشري القائم على التخطيط والأخذ بالأسباب ولكي يتعلم الناس هذه السنة الكونية التي لا ينصلح الكون إلا بها.

 

ولا يقوم الدين إلا بها، فالواجب علينا الآن أن نأخذ العبرة من النبي صلى الله عليه وسلم في هجرته، لا نستمع لمن يقول أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من مكة خائفا مذعورا فقد كذبوا والله أو أن النبي دخل الغار ليختبئ فيه ومشي سرا خوفا من الكافرين، ودخل المدينة بعد ذلك وهو فرح بأنه ظفر وفر من الكافرين، ليس الأمر كما قالوا ولا كما حكموا، لأن الله قال في كتابه عن هجرة النبي صلى الله عليه وسلم قبل إرسال الرسالة إلي النبي صلى الله عليه وسلم، وقبل بعثة هذا النبي صلى الله عليه وسلم “إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثانى اثنين إذ هما فى الغار” وكلمة نصر بالفعل الماضي، يعني نصره الله قبل وجوده في الدنيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى