مقال

نفحات إيمانية ومع المقاطعة والهجرة النبوية ” الجزء الثالث “

نفحات إيمانية ومع المقاطعة والهجرة النبوية ” الجزء الثالث ”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثالث مع المقاطعة والهجرة النبوية، فكان أحبهما إلى الله عمر رضي الله عنه‏، وبعد إدارة النظر في جميع الروايات التي رويت في إسلامه يبدو أن نزول الإسلام في قلبه كان تدريجيا، وخلاصة الروايات مع الجمع بينها في إسلامه رضي الله عنه‏ أنه التجأ ليلة إلى المبيت خارج بيته، فجاء إلى الحرم، ودخل في ستر الكعبة، والنبي صلى الله عليه وسلم قائم يصلي، وقد استفتح سورة ‏”الحاقة ” فجعل عمر يستمع إلى القرآن، ويعجب من تأليفه، قال‏ فقلت أي في نفسي‏ هذا والله شاعر، كما قالت قريش، قال‏ فقرأ ‏”إنه لقول رسول كريم، وما هو بقول شاعر، قليلا ما تؤمنون” قال قلت كاهن، قال “ولا بقول كاهن، قليلا ما تذكرون، تنزيل نت رب العالمين”

 

قال‏‏ فوقع الإسلام في قلبي‏،‏ وكان هذا أول وقوع نواة الإسلام في قلبه، لكن كانت قشرة النزعات الجاهلية، وعصبية التقليد، والتعاظم بدين الآباء هي غالبـة على مخ الحقيقة التي كان يتهمس بها قلبه، فبقى مجدا في عمله ضد الإسلام غير مكترث بالشعور الذي يكمن وراء هذه القشرة، ومنها إسلام أخته و زوجها رضي الله عنهما، ومنها أيضا بعض المعجزات التي رآها عمر بن الخطاب بعينها تدل على صدق نبوة محمد صلى الله عليه و سلم، وفي نهاية المطاف أعلن عمر بن الخطاب إسلامه بكل قوة و ثبات، فقد روى ابن إسحاق أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال‏ لما أسلمت تذكرت أي أهل مكة أشد لرسول الله صلى الله عليه وسلم عداوة، قال‏ قلت‏ أبو جهل.

 

فأتيت حتى ضربت عليه بابه، فخرج إليّ، وقال‏ أهلا وسهلا، ما جاء بك‏؟‏ قال‏‏ جئت لأخبرك إني قد آمنت بالله وبرسوله محمد صلى الله عليه و سلم، وصدقت بما جاء به‏، قال‏‏ فضرب الباب في وجهي، وقال‏‏ قبحك الله، وقبح ما جئت به‏، وفي رواية لابن إسحاق، عن ابن عمر رضى الله عنهما قال‏ لما أسلم عمر بن الخطاب لم تعلم قريش بإسلامه، فقال أي أهل مكة أنشأ للحديث‏؟‏ فقالوا‏ جميل بن معمر الجمحى‏،‏ فخرج إليه وأنا معه، أعقل ما أرى وأسمع، فأتاه، فقال‏‏ ياجميل، إني قد أسلمت، قال‏‏ فو الله ما رد عليه كلمة حتى قام عامدا إلى المسجد فنادى ‏بأعلى صوته‏‏ أن‏‏ يا قريش، إن ابن الخطاب قد صبأ‏،‏ فقال عمر بن الخطاب وهو خلفه‏‏ كذب، ولكنى قد أسلمت ‏وآمنت بالله وصدقت رسوله.

 

فثاروا إليه فما زال يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رؤوسهم، وطلح أي أعيا عمر بن الخطاب، فقعد، وقاموا على رأسه، وهو يقول‏ افعلوا ما بدا لكم، فأحلف بالله أن لو كنا ثلاثمائة رجل لقد تركناها لكم أو تركتموها لنا‏، وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول‏‏ ما كنا نقدر أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر‏، وعن صهيب بن سنان الرومى رضي الله عنه قال‏ لما أسلم عمر بن الخطاب ظهر الإسلام، ودعى إليه علانية، وجلسنا حول البيت حلقا، وطفنا بالبيت، وانتصفنا ممن غلظ علينا، ورددنا عليه بعض ما يأتى به‏ وعن عبد الله بن مسعود قال‏‏ ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر‏،‏ وبعد إسلام هذين البطلين الجليلين حمزة بن عبد المطلب وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما أخذت السحائب تتقشع.

 

وأفاق المشركون عن سكرهم في تنكيلهم بالمسلمين، وغيروا تفكيرهم في معاملتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، واختاروا أسلوب المساومات وتقديم الرغائب والمغريات، ولم يدر هؤلاء المساكين أن كل ما تطلع عليه الشمس لا يساوي جناح بعوضة أمام دين الله والدعوة إليه، فخابوا وفشلوا فيما أرادوا‏، وقد تشاور رؤساء قريش فيما بينهم وفكروا في كل جوانب القضية، ودرسوا كل المواقف بروية وتريث، ثم اجتمعوا يوما عند ظهر الكعبة بعد غروب الشمس، وأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يدعونه، فجاء مسرعا يرجو خيرا، فلما جلس إليهم ساوموه وعرضوا عليه الملك والجاه والمال والعلاج مما ظنوه به من جنون، فرفض صلى الله عليه و سلم، مساوماتهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى