مقال

أسباب ظهور اليهود المغاربة في مصر

أسباب ظهور اليهود المغاربة في مصر

 

كتب /ايمن بحر

 

كانت مصر قد تحوَّلت إلى مركز حضاري وثقافي واقتصادي ذي جاذبية طاغية منذ منتصف القرن (السابع الهجري=الثالث عشر الميلادي) بسبب الأحوال المضطربة في العالم الإسلامي والمنطقة العربية من ناحية وعالم البحر المتوسط عامَّةً من ناحيةٍ أخرى كذلك كان قيام دولة قوية قادرة وحدت بين مصر والشام وفلسطين راسخةً في الداخل مهابةً وقويَّةً في الخارج هى دولة سلاطين المماليك التي كانت عاصمتها القاهرة، من أهم عوامل تحوُّل مصر إلى مركز حضاري جذاب في تلك الفترة ذلك أنَّ سقوط الخلافة العباسية في بغداد وانهيار المشرق الإسلامي تحت وطأة الضربات المغولية نشر الرعب والفوضى في الشرق الإسلامي؛ كما أنَّ تراجع اللون الإسلامي في الأندلس أمام نجاح الهجمات الكاثوليكية ضدَّ المسلمين الإسبان خلق حالة من الخلل السياسي والتراجع الحضاري في هذه المناطق.

ولكن هزيمة الحملة الفرنسية السابعة بقيادة لويس التاسع وأسره مع كبار أمرائه وقادته في المنصورة وما أعقب ذلك من تطورات أدت إلى ظهور دولة سلاطين المماليك التي حكمت المنطقة العربية بصورةٍ مباشرةٍ أو غير مباشرةٍ على مدى ما يزيد على مائتين وسبعين سنة خلق البيئة المناسبة للاستقرار والازدهار في المنطقة وكان لفرسان المماليك الفضل الأكبر في انتصار المنصورة الذي كان بمثابة صرخة الميلاد لدولتهم ثم نجحوا بعد عشر سنوات في وقف الزحف المغولي المخيف، وهزموا المغول في عين جالوت وكانت تلك شهادة ميلاد هذه الدولة

ولم تكن معركة المنصورة آخر معارك فرسان المماليك ضدَّ الصليبيين؛ فقد واصل السلاطين الأقوياء الأوائل الظاهر بيبرس والمنصور قلاوون، والأشرف خليل بن قلاوون معاركهم ضدَّ الصليبيين حتى نجحوا في التخلص من الوجود الصليبي في فلسطين بعد تحرير عكا سنة (1292م=691هـ) كذلك لم تكن معركة عين جالوت نهاية النضال ضدَّ المغول فقد تحوَّل مغول القفجاق إلى الإسلام منذ وقتٍ مبكر وكانوا قوَّةً مضافةً إلى العالم الإسلامي وكان بيبرس طوال حكمه يُناضل ضدَّ مغول فارس وضدَّ إيلخانية المغول عامَّة، بوسائل تراوحت بين الحرب والدبلوماسية والتحالفات وعلى أية حال ففي غضون جيلين من الزمان تحوَّل المغول إلى مسلمين لعبوا دورًا مهمًّا في الحضارة الإسلامية لا تزال آثاره المادية واللامادية باقية حتى اليوم.

أدَّى هذا بطبيعة الحال إلى نتيجتين غاية في الأهمية بالنسبة إلى تاريخ المنطقة العربية منذ النصف الثاني من القرن (السابع الهجري=الثالث عشر الميلادي) أولاهما: أنَّ القاهرة صارت ملاذًا آمنًا لكلِّ الفارِّين من غزوات المغول في الشرق والشمال من ناحية ولكلِّ الهاربين من فظائع الكاثوليك ومحاكم التفتيش في المناطق التي استولى عليها الكاثوليك في شبه الجزيرة الأيبيرية وكانت مساحة المناطق الإسلامية فيها قد انحسرت بصورةٍ مطردةٍ حتى انتصر الكاثوليك الإسبان نهائيًّا سنة (1492م=898هـ)ن والنتيجة المهمة الثانية التي نتجت عن الوضع في عالم البحر المتوسط، أنَّ التجارة العالمية تحولت إلى المرور بالأراضى المصرية؛ وصارت الموانئ والمدن المصرية الواقعة على الطرق التجارية البرية، مناطق جذب للتجار والعلماء والحرفيين المهرة وطالبي العلم والساعين إلى الرزق من كل مكان

فرار اليهود المغاربة إلى مصر

ولم يكن يهود المغرب والأندلس استثناء في هذا بطبيعة الحال، بيد أنَّه ينبغى علينا أن نضع في اعتبارنا أنَّ اليهود المصريين كانوا على الدوام من عناصر البنية السكانية المصرية منذ عصور موغلة في القدم. ولم يكن اليهود جالية أجنبية ذات خصائص اجتماعية – ثقافية متمايزة وإنَّما كانوا جزءًا عضويًّا من الكل المصري وفيما عدا الدين فإنهم اشتركوا مع بقية المصريين في كلِّ شيءٍ آخر: اللغة، والعادات، والتقاليد، والسمات الثقافية والاجتماعية التي اتَّسم بها المجتمع المصري عامَّةً في كلِّ حقبةٍ من تاريخه الطويل وكان اليهود -من ناحيةٍ أخرى- أقليَّةً ضئيلة العدد على الدوام بالنسبة إلى المصريين الآخرين لأسباب دينية وتاريخية موضوعيَّة.

وعلى الرغم من هذه الحقيقة، فإنَّ اليهود المصريين ظلوا يستقبلون أعدادًا من اليهود الأجانب الفارين من فارس والعراق وفلسطين لأسباب مختلفة طوال الفترة التي تهتم بها هذه الدراسة (ق7هـ=ق10هـ). وقد كانت الظروف السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية المضطربة بسبب الغزو المغولي والحروب الصليبية وراء هجراتهم، كذلك قدمت أعداد كبيرة من يهود المغرب والأندلس بفعل الحروب الدائرة بين المسلمين والكاثوليك والرياح السياسية والاقتصادية والاجتماعية المعاكسة التي هبت على بلاد المغرب العربي في ذلك الزمان

ومن ناحية أخرى كان وجود اليهود في المغرب قديمًا؛ يرجعه البعض إلى موجات ثلاث من الهجرة اليهودية إلى خارج فلسطين دفعت بأعداد كبيرة منهم إلى بلاد المغرب العربي منذ فترة ما قبل الإسلام وقد أتاحت الدول الإسلامية التي قامت في المغرب العربي بأسماء مختلفة قدرًا كبيرًا من الحرية الدينية والاجتماعية حيث برز منهم عددٌ تولوا المناصب العليا سياسيًّا وإداريًّا، وأُقيمت لليهود أحياء خاصَّة في المدن المغربية (ولم تكن جيتو أو معزل لهم مثلما كان الحال في الغرب الأوربي مثلًا) كما أنَّ حكام الدول التي قامت في المغرب قربوا المتميزين من اليهود إلى بلاطاتهم، وفضلا عن هذا عمل اليهود المغاربة بكل المهن والحرف التي عرفتها مجتمعات المغرب العربي في ذلك الزمان ولكن الحروب المتواصلة بين حكام المغرب وما نتج عن ذلك بالضرورة من تدهور الأحوال الاقتصادية والاجتماعية واضطراب الأمن، منذ القرن (الثامن الهجري=الرابع عشر الميلادي) فصاعدًا، جعل بلاد المغرب العربي منطقة طاردة لليهود القادرين ماليًّا (وغيرهم) فسعوا إلى الهجرة لمناطق أكثر أمنًا، ولم يكن أمامهم مكان أقرب في موقعه وأكثر أمنًا واستقرارًا من مصر في ذلك الزمان

وربما كانت ظروف اليهود المصريين قد تحسنت بعد قيام الدولة الفاطمية (العبيدية) التي يعتبرها بعض المتخصصين العصر الذهبي لأهل الذمة من اليهود والنصارى وقد أدى هذا الوضع إلى زيادة هجرة اليه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى