مقال

مريم وغربة الدنيا..

مريم وغربة الدنيا..

بقلم حماده صبرى

جاءت للدنيا وهي تعلن عن نفسها عبر صرخاتها العالية، رافضة تلك الحياة التي قد ضاقت بأصحابها الذين أصبحوا أغراب عنها يحاولون الخروج مما يتعايشون فيه، يخافون من القادم الذي أرهقهم التفكير فيه، يحاولون الهروب من واقع الحياة المرير وأيامها القاسية.

 

وها هي قد جاءت مريم ولا تدري عن مصيرها شيئ، عن هذا المصير الذي كان ينتظرها، وكيف ستكون رحلتها التي كنت تنتظر قدومها منذ أن تفتحت عيناها على الدنيا في حلم وردي، عبر ابتسامة كانت تضحك بها علي نفسها و على من حولها كان مصيرها ذلك المنفى الذي تعايشت فيه، فلم تخرج منه إلا وهي جثة هامدة إلى بيتها الأخير.

 

بدأ اليأس ينتابها وبدأ الحزن يخيم عليها ويسيطر علي مجريات حياتها؛ مما شاهدته وسمعته من مجريات حياة البعض وأقرب الناس إليها.

كانت تتسائل دوما مع نفسها

 

أتكون هذه حقيقة الدنيا؟ أتكون كما قالوا دار بلاء ودار ابتلاء؟ لم تشاهد يوما سعيدًا منذ قدومها ولا ابتسامة خرجت من القلب لتخترق عنان السماء.

 

لم تصادف عيناها يوما معنى احتواء حقيقي ينتزع تراكمات السنين بين البشر، لم تصادف يومًا حبًا حقيقيًا قد اكتمل.

 

كانت تشعر أن كل شيئ توقف بها قبل أن يبدأ، كانت تشعر أن قدماها لا تستطيع حملها كي تُقدم بها إلى المستقبل المجهول.

 

انتزعت الرحمة من قلوب من حولها، وتجردت؛ لتصبح أرضًا جرداء، تخرج منها رائحة البشر العفنة، التي قد طفت على السطح، كقبر مهجور لم يُفتح منذ سنوات، لم يترددوا ولم يخافوا مما يغعلونه بها من تصرفات يكاد الحيوان يخجل منها.

 

تلك التصرفات التي تخرج منهم كأنها أنفاس يتنفسونها.

 

نعم لقد وصلنا إلى حافة الهاوية، إلى آخر الزمان الذي اخبرونا عنه، فكل شيئ يتلاشى كما تلاشى الحب والرحمة من القلوب.

 

ماذا سيكون مصيرى أنا، وما ذلك القادم الذي أنتظر قدومه منذ سنوات، ها هي الدنيا قد أظهرت قسوتها على جنين أقبل للدنيا فشابت رأسه قبل أن يحبو.

 

لم أدري يوما أنني ساتعايش في زمن ليس لي، وبشر ليسوا مني، لو كنت أعلم بذلك لكنت رفضت القدوم أو المجئ.

 

شعور بالوحشة والغربة، شعور يمزق كل ما كانت تحلم به وتتطلع إليه، شعور هوى بها بعيدًا إلى أين ………….. ؟ إلى تلك الجنة التي كانت تحلم بها وتفكر فيها.

 

لا أعرف كيف تحملت لتعيش غريبة وتعايشت وحيدة إلى أن أتت ساعتها دون مبررات أو سابق انذار.

 

ذهبت إلى قصرها .. إلى مملكتها التي لن ينازعها أحدٌ عليها، كما كانت في ذلك الوعاء الذي احتواها وهي نطفة تتخلق لحياة ليست لها.

 

ظلت وحيدة وفارقت الدنيا غريبة، لمَ كان مصيرها وقدرها هكذا

وماذا جنت للقدر؟ وماذا فعلت لهؤلاء البشر لتتركنا فجأة.

 

أخبروني أنتم إن كنتم تعرفون

كلمات كادت أن تخرج من ملاك الجنة “مريم” ولم تسعفها الحياة لإخراجها.

 

أسألكم الدعاء لها بالرحمة وعسى أن نلتقي بها وتخبرنا بما كانت تخبئه بداخلها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى