مقال

نفحات إيمانية ومع إعمال العقل فى فهم النص “جزء5”

نفحات إيمانية ومع إعمال العقل فى فهم النص “جزء5”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الخامس مع إعمال العقل فى فهم النص، وما أصدق قول ابن القيم في كتاب الفوائد في وصف السلوك الإنساني هو دافع الخطرة، فإن لم تفعل صارت فكرة، فدافع الفكرة فإن لم تفعل صارت شهوة فحاربها، فإن لم تفعل صارت عزيمة وهمّة، فإن لم تدافعها صارت فعلا، فإن لم تتداركه بضده صار عادة فيصعب عليك تركها، والخاطرة السيئة هي شرارة الإخفاق الأولى، فالقلب لوح والخواطر نقوش تنقش عليه، فمن دافع خواطره السيئة ملك زمام نفسه وقهر هواه، ومن غلبته خطراته فهواه ونفسه له أغلب، ومن استهان بالخطرات قادته قهرا إلى الإخفاق والهلكات، ويقول الطبيب الفرنسي موريس بوكايل.

بعد إجراء مقارنة علمية بين الأديان السماوية والعلم”ولا عجب في هذا إذا عرفنا أن الإسلام قد اعتبر دائما أن الدين والعلم توءمان متلازمان، فمنذ البدء كانت العناية بالعلم جزءا لا يتجزأ من الواجبات التي أمر بها الإسلام، وأن تطبيق هذا الأمر هو الذي أدى إلى ذلك الازدهار العظيم للعلوم في عصر الحضارة الإسلامية، تلك التي اقتات منها الغرب نفسه قبل عصر النهضة في أوروبا” فهذه شهادة حق لإعلاء الإسلام لشأن العقل، بوضعه في المكان الصحيح عن طريق العلم والعمل، فكل أمر شرعي يخطر في بالك أنه يعارض الفطرة، فيجب أن تعلم أنه لا يخلو من أحد احتمالين، فإما أنه أمر شرعي، ولا يخالف الفطرة الصحيحة المستقيمة.

فمخالفته للفطرة وهم، وإما أنه يخالف الفطرة فعلا، ولكنه لا يكون أمرا شرعيا، وإن نسبة الناس إلى الدين بغير علم ولا هدى، فالعقل يحتاج إلى العلم والتخصص، حتى تتسع مداركه وأفهامه، فالعلوم كثيرة، والتخصص يجعل صاحبه ما بين إصابة الحق على نحو قطعي وحصري، وما بين الظن العلمي القائم على المعطيات والحيثيات، والأدلة المحترمة والمعترف بها لدى أهل التخصص، على حين أن ظنون غير المتخصص كثيرا ما تبنى على مشاعر خاصة، وانطباعات وأهواء شخصية، والفرق بين هذه وتلك كبير جدا، فالعلم لا يحصله طالبه إلا بعد أن يبذل من المشقة والزمن الطويل، وتجارب الحياة كي تنضج تحتاج إلى زمن كافى.

فالعلم الذي بين السطور لا يستفاد منه إلا مع التجارب العديدة، التي معها قد يكون العقل قد وصل إلى مرحلة النضج العقلي، وقد قال الله تعالى فى سورة الأحقاف ” حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنه قال رب أوزعنى أن أشكر نعمتك التى أنعمت على وعلى والدى وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لى فى ذريتى إنى تبت إليك وإنى من المسلمين” وكما كان حكيم اليونان الأكبر سقراط يقول “إذا أردت أن تحصل على رجل ناضج، فإن عليك أن تنتظر خمسين سنة” وبالرغم من أن هذا القول رمزي، إلا أن المراد منه الإشارة إلى أن الحصول على النضج الذي نريده يحتاج إلى وقت ولكن من خلال تنمية العقل، ومن خلال توسيع قاعدة الفهم.

والنضج العقلي هو كالنضج النفسي، ليس محدودا بحدود، ومهما شعرنا أننا نفهم الأمور على نحو تام وعميق، فإننا سنظل جاهلين في طرف منها فكل الحوادث والأشياء والمواد تشتمل على عنصر غيبي، وهذا العنصر يحول دون الحصول على المعرفة الكاملة، حيث قال الله تعالى فى سورة يوسف ” نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذى علم عليم” فالعقل السوي الذي قد نضج مع العلم والإيمان، هو العقل الذي لا يتعارض مع النقل، أما الذي قد امتزج بالهوى والمعاصي، فيأبى أن يذعن للفطرة السوية لكثرة الران الذي قد كساه، حيث قال الله تعالى فى سورة المطففين ” كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى