مقال

نفحات إيمانية ومع الإنسان و العقل “جزء 1”

نفحات إيمانية ومع الإنسان و العقل “جزء 1”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

لقد وجب علينا أن نشكر الله سبحانه وتعالى على نعمة العقل، ونستعملها في الفضائل وطمس معالم الرذائل، ونحفظها من جميع المفسدات الحسية والمعنوية، ونحصنها بالوعي التام والثقافة النظيفة، والمراقبة الكاملة لخالقها وواهبها سبحانه وتعالى، وعلينا أن نعلم أن العقل البشري له حدوده التي لا ينبغي أن يتجاوزها بتفكيره لأنه إذا سبح في غيرالمألوف تاه وتحير، وتفرق وتضرر، فمن منحه الله منحة العقل فقاده إلى الخير، وعقله عن الشر فما أعظم ما منح، وما أحسن ما به مدح، ولقد منح الله تعالى عقل الإنسان شأنا عظيما فجعله مناط التكليف، وعلامة الصلاح للأمر والنهي، فمن ملكه صار مكلفا، ومن قصر عنه كالأطفال أو فقده كالمجانين سقط عنه التكليف.

 

فكان العقل بهذا أساس الأعمال وينبوعها، والمميز بين الأشياء ومرجعها، فلا تكليف على قاصر حتى يبلغ، ولا على مجنون حتى يعقل، وقد ذكر الله تعالى في الآيات الكريمة العقل والألباب والنهى والحجر وهي أسماء لمسمى واحد، معناه ما يعقل الإنسان وينهاه ويحجره عن المكروهات، وفي هذه العناية القرآنية إشادة بشأن العقل، وبيان لمنزلته السامية، ورتبته العالية في إدراك الأمور، والإفادة من الآيات والعبر، فالعقل نعمة عظيمة من نعم الله على الإنسان، فبه يهتدي إلى مصالح دينه ودنياه، وهو وهبة سنية وهبه إياها ليستعملها فيما ينفعه في عاجل أمره وآجله، لكن أكثر الناس استعملوها في منافع الدنيا، ولم يستعملوها في منافع الآخرة.

 

فأخذوا أدنى الحظين، وفوتوا على أنفسهم أعلاهما، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ، وعن الغلام حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق” وإذا أردتم أن تعرفوا فضل الله عليكم بهذه النعمة فانظروا إلى من فقدها كالمجانين وأصحاب الأمراض العقلية، وانظروا إلى المجانين في الشوارع، واحمدوا الله على نعمته، واسألوه دوام فضله، ومما يبين لنا عظم هذه النعمة وأهميتها في الشريعة الإسلامية كذلك أن الجناية على العقل حتى يخرج عن حد التكليف توجب الدية كاملة كدية النفس لأن العقل أشرف المعاني والأعضاء، وهو من أعظم آلات السعادة وصلاح الحياة، ولقد اهتم الإسلام بالعقل اهتماما كبيرا.

 

وأعلى من منزلته وقيمته ما ورد في كتاب الله تعالى من الآيات الكريمة التي تؤكد هذه الأهمية وتلك المكانة، ومن المعلوم أن من أبرز ما فضل الله به الإنسان على سائر مخلوقاته هو العقل، ويكفي الإشارة إلى أهمية العقل في كتاب الله أنها تكررت كلمة العقل ومشتقاتها حوالي سبعين مرة، وغير ذلك من الآيات التي تتحدث عن وظائف العقل كالتفكر والتأمل والنظر في آيات الله وفي الأنفس والآفاق، والتي لا يمكن حصرها من كثرتها في كتاب الله، وإن الدلائل على عناية الإسلام بالعقل كثيرة فمن ذلك أنه اعتبر العقل إحدى الضرورات الخمس الكبرى التي ينبغي المحافظة عليها، وحرّم كل ما يضر بالعقل ويغيبه كالخمور والمسكرات والمفترات.

 

وشرع العقوبات الرادعة لمن يتعاطى ذلك حفاظا على هذه النعمة العظيمة، ومنها أن الإسلام دعا العقل إلى اتباع البرهان، وأمر بنبذ الجهل والهوى والكبر والتعصب والتقليد الأعمى والجدل بالباطل والخرافات والأوهام والسحر والشعوذة والدجل لأن هذه الآفات كلها تعطل العقل عن وظيفته، فيتمسك صاحبه بالخطأ ولو ظهر عواره، ويعرض عن الصواب ولو استبانت أنواره، ومن هذه المظاهر هو أن الإسلام دعا العقل إلى التفكر والتأمل سواء كان التفكر في نصوص الشرع بحسن فهمها والعمل بها، أو التفكر في مجالات الكون الفسيح، وما أودع الله فيه من عجائب المصنوعات، الدالة على وحدانيته وعظمته وجلاله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى