اخبار مصر

في ذكرى أكتوبر (12) اللواء جمال غانم (6 والأخيرة)

في ذكرى أكتوبر (12) اللواء جمال غانم (6 والأخيرة)

يقول اللواء جمال غانم قائد الكتيبة 233 صاعقة في حرب أكتوبر 1973″ وعند أول استجواب لي في الأسر قلت لهم أنا محمد مسعد إبراهيم قائد سرية. كان سروالي ممزقا نتيجة أن الرجال قطعوا منه لربط ساقي التي تنزف وكنت ملفوفا ببطانية في معسكر الأسرى. كان الجو غاية في البرودة ليلا وأردت أن أقضي حاجتي واستطعت بصعوبة بالغة أن أقضيها. في الصباح أوقفوا الأسرى في طابور للإفطار وفوجئت بالنقيب محمد ياقوت يقدم لي إفطاره ويقول لي”تفضل يافندم”. قلت له ليس هنا يافندم وشعرت عندئذ أن معي رجالا بمعنى الكلمة ثم جاءت حافلة ونقلتني إلى مكتب مخابرات رفح ثم وضعت في زنزانة. ودارت بي الدنيا بما فيها من خيالات وأطياف وكل مافي وجداني مصر، وأبي وأمي وإخوتي وزوجتي وأولادي. وتساءلت ماذا حدث؟ وياترى ماذا فيك يامصر الآن؟ وتذكرت بعض أبيات الشاعر محمود سامي البارودي أحد زعماء الثورة العرابية والتي كتبها في المنفى عندما كان مع الزعيم أحمد عرابي.
ولي أمل في الله تحيا به المنى ويشرق وجـه الظن والخطـب كاشر
وطيد يــــــــزل الكــــــيد عنه وتنقضي مجاهدة الأيام وهو مثـــابر
وتذكرت أم وردة، تلك السيدة القوية وزوجها الأعمى. ماذا ياترى سيحدث بعد ذلك؟ ثم وجدت السجان يفتح الباب قلت له أريد سجائر قال لا توجد سجائر. أكلت وبعد نصف ساعة دق السجان الباب مرة أخرى وحملوني إلى الطبيب في غرفة كانت نوافذها مفتوحة ووضعوني على منضدة. كان الطبيب يدخن ولا يلبس قفازا في يديه ثم بدأ عمليته في قدمي وأدخل ملقطا في عمق قدمي المصابة كي ينظف مكان الطلقات وبدون تخدير وقال لي أنت محظوظ لأن العظم سليم وبعد العملية دخلت في غيبوبة. في المساء استدعيت مرة أخرى للإستجواب. دخلت غرفة فوجدت صور جميع الأسلحة الموجودة في مصر معلقة على الحائط. قلت” أنا محمد مسعد إبراهيم قائد سرية صاعقة وليس لك عندي شيء حتى لا أبوح لهم بمعلومات. قال لي ليست قضية أسلحة وعندما اكتشفوا أنني قائد كتيبة عنفوني وأعادوا استجوابي. سألني المحقق أتريد دخانا؟ قلت له إذا أحضرت لي سجائر كان بها وإن لم تأت لي بها فلن يمثل ذلك لي مشكلة. لا أستطيع أن أصف شعوري في هذه اللحظة ولن يتخيله أحد إلا إذا عاش تلك اللحظة. في صباح اليوم التالي أخذوني إلى سجن عتليت وهناك أخذوا مقتنياتي الخاصة من ساعة وولاعة سجائر ونقود ثم ألبسوني زيا عسكريا خاصا بالمظلات الإسرائيلية ثم وضعت في زنزانة. أعطونا بطاطين قديمة مهلهلة نتغطى بها وأعطوا لكل واحد منا حذاء بدون رباط وصحنا وملعقة. وضعوني على السرير. كان الطعام سيئا للغاية فكان رغيف الخبز يقسم على أربعة أفراد وكانت قطعة الجبن المطبوخ تقسم على فردين. أما الغداء فكان عبارة عن لحم مطبوخ (بلوبيف) مشبع بالملح أو سمكة مسلوقة. كانت المعاناة شديدة لدرجة أننا فكرنا في الهرب. وذات يوم سمحوا لنا بالإستحمام بماء ساخن وأعطوا لكل واحد منا بيضتين وفي هذا اليوم رأيت بعض الزملاء من الصاعقة كنت أعرفهم. وفي يوم 22 نوفمبر 1973 عدنا إلى مصر في عملية تبادل للأسرى.
ويسافر اللواء جمال غانم إلى الولايات المتحدة الأمريكية في مطلع تسعينيات القرن الماضي ثم سافر إلى البوسنة ليقاتل في سبيل الله وينال الشهادة التي طالما تمناها. رحم الله هذا القائد العظيم وغفر له بما قدم لدينه ووطنه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى