مقال

نفحات إيمانية ومع الفتنة الكبرى وموقف الأشتر النخعى ” جزء 6″

نفحات إيمانية ومع الفتنة الكبرى وموقف الأشتر النخعى ” جزء 6″

بقلم/ محمـــد الدكـــروى

 

ونكمل الجزء السادس مع الفتنة الكبرى وموقف الأشتر النخعى، وكان معاوية بها طامعا، فبعث إلى رجل من أهل الخراج، يثق به، قائلا إن الأشتر قد وُلي مصر، فإن كفيتنيه لم آخذ منك خراجا ما بقيتُ وبقيت، فاحتل بما قدرت عليه، فلما قدم الأشتر القلزم وهى مدينه أطلالها اليوم قرب مدينة السويس، أتاه الذي دسّه إليه معاوية قائلا له أيها الأمير، هذا منزل فيه طعام وعلف، وإني رجل من أهل الخراج، فنزل به الأشتر، وقدّم للأشتر الطعام فتناول منه، ثم قدمت له شربة من عسل مسموم، فلما شربها، استشهد رضى الله عنه، لساعته، وعندما علم معاوية بن أبى سفيان بموت الأشتر قام في الناس خطيبا.

 

فقال أما بعد فإنه كان لعلي بن أبي طالب يمينان قطعت إحداهما يوم صفين وهو يقصد الصحابى الجليل عمار بن ياسر، وقطعت الأخرى اليوم ويقصد مالك الأشتر، وقال في مناسبة ثانية حول هذا الأمر أيضا، إن لله جنودا من عسل، وهى كناية عن مكره بدس السم في العسل، غدرا بالمؤمنين، فذهبت مثلا، ولما بلغ الإمام على رضى الله عنه، شهادته قال وبصوته غصة التياع ورنة حزن عميق ” إنا لله، وإنا إليه راجعون، والحمد لله رب العالمين، اللهم إني أحتسبه عندك، فإن موته من مصائب الدهر، رحم الله مالكا، فلقد كان لي كما كنت لرسول الله، ويدخل بعض أصحابه معزّين في الخطب الجلل، فيجدونه وقد استبدت به لوعة ولهفة مذهلتان.

 

وهو يقول لله درّ مالك، وما مالك، لو كان جبلا لكان فندا، أي بمعنى جبلا عظيما، ولو كان صخرا لكان صلدا، على مثل مالك فلتبكى البواكي، وهل موجود كمالك ؟ لقد استكمل أيامه، ولاقى حمامه، ونحن عنه راضون، فرضي الله عنه، وضاعف له الثواب، وأحسن له المآب فيقول الحاضرون، وفي عين كل منهم تترقرق دمعة حرّى، آمين” وهكذا كانت الرجال فهم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وإن مقياس الرجولة فى صدق الإنسان ما عاهد عليه ربه سبحانه، وهؤلاء صفوة من القلة الذين مليء بالإيمان أرواحهم حتى بدت الرجولة فى أفعالهم فتستطع معادنهم إذا استحكمت الأزمات، وتشابكت خيوطها، وتوالت الضوائق وطال ليلها.

 

ولذا لا يثبت الإنسان فى ديوان المؤمنين من الرجال إلا إذا ظل صامدا وصادقا فى عهده مع ربه وخالقه، وآية ذلك صمود الذات أمام ما سطره القدر عليها فى صحائفه من صنوف الابتلاء وأنواع الملمات، وإن الإيمان الصادق فى حقيقته صلة بين الإنسان وربه لا يكشف عن قوته ونفاسة معدنه، إلا خضوع الإنسان لسنة الابتلاء الذى يمحص الذوات كاشفا عن طيبها أو زيفها، وما صنع الأبطال والعظماء إلا بانصهارهم فى ضوائق المحن والشدائد وخوض غمار العثرات والصعاب، ومن ثم كان نصيب القادة من العناء والبلاء على مقدار ما أوتوا من مواهب وملكات، وما أدوا فى حياتهم من أعمال زلزلت لهولها الجبال بيد أنه ثبت أمام روعها الرجال.

 

ليقين رسخ فى نفوسهم أن لعظماء الرجال فى الحياة مواقف، فصنعوا لأنفسهم مواقفا ينحنى لها عظماء الرجال، ولقد كان طريق معاوية بن أبي سفيان إلى السلطة أقل تخضبا بالدماء من طرق معظم من أسسوا أسرا حاكمة جديدة، وكان يحس كما يحس كثيرون من المغتصبين أنه بحاجة إلى أن يحيط عرشه بالأبهة والمظاهر الفخمة، وتشبه في هذا بأباطرة الدولة البيزنطية ، الذين تشبهوا هم أنفسهم بملك ملوك الفرس وإن بقاء هذا الطراز من الحكومة الملكية الفردية من عهد قورش إلى يومنا ليوحي بصلاحيته لحكم الشعوب الجاهلة واستغلالها وكان معاوية نفسه يشعر بأن حكمه هذا يبرره ما عاد على البلاد في أثنائه من الرخاء، وانقطاع النزاع بين القبائل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى