مقال

نفحات إيمانية ومع رسول الأمة “جزء 8” 

نفحات إيمانية ومع رسول الأمة “جزء 8”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثامن مع رسول الأمة، ولم ينقل أن الله عز وجل أخبر أحدا من الأنبياء بمثل ذلك، بل الظاهر أنه لم يخبرهم لأن كل واحد منهم إذا طلبت منهم الشفاعة في الموقف ذكر خطيئته التي أصابها وقال ” نفسي نفسي” ولو علم كل واحد منهم بغفران خطيئته لم يُوجل منها في ذلك المقام، وإذا استشفعت الخلائق بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك المقام قال ” أنا لها” وقال العز بن عبدالسلام أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه أخبره الله بالمغفرة ولم ينقل أنه أخبر أحدا من الأنبياء بذلك، فقال تعالى فى سورة الشرح ” ألم نشرح لك صدرك، ووضعنا عنك وزرك، الذى أنقض ظهرك، ورفعنا لك ذكرك” وقال الشوكاني واختلف في معنى قوله تعالى ” ما تقدم من ذنبك وما تأخر”

 

فقيل ما تقدم من ذنبك قبل الرسالة، وما تأخر بعدها، قاله مجاهد، وسفيان الثوري، وابن جرير، والواحدي، وغيرهم، وقال عطاء ما تقدم من ذنبك يعني ذنب أبويك آدم وحواء، وما تأخر من ذنوب أمتك، وما أبعد هذا عن معنى القرآن، وقيل ما تقدم من ذنب أبيك إبراهيم، وما تأخر من ذنوب النبيين من بعده، وهذا كالذي قبله، وقيل ما تقدم من ذنب يوم بدر، وما تأخر من ذنب يوم حنين، وهذا كالقولين الأولين في البعد، وقيل لو كان ذنب قديم أو حديث لغفرناه لك، وقيل غير ذلك مما لا وجه له، والأول أولى أي ما تقدم من ذنبك قبل الرسالة، وما تأخر بعدها، ويكون المراد بالذنب بعد الرسالة ترك ما هو الأولى، وسمي ذنبا في حقه لجلالة قدره، وإن لم يكن ذنبا في حق غيره.

 

ولقد كان الأنبياء والرسل السابقون عليهم الصلاة والسلام يرسلون إلى أقوامهم خاصة، أما عموم رسالته صلى الله عليه وسلم فهى للثقلين الإنس والجن، وقال القرطبي والمراد بالعالمين أيضا الإنس والجن لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان رسولا إليهما ونذيرا لهما وأنه خاتم الأنبياء، ولم يكن غيره عام الرسالة إلا نوحا، فإنه عمّ برسالته جميع الإنس بعد الطوفان لأنه بدأ به الخلق، واختلف في عموم رسالته قبل الطوفان على قولين، أحدهما هو عامة لعموم العقاب بالطوفان على مخالفته في الرسالة، الثاني خاصة بقومه لأنه ما تجاوزهم بدعائه، وأن الله عز وجل أقسم بحياته صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى فى سورة الحجر “لعمرك إنهم لفى سكرتهم يعمهون”

 

ومعناه أقسم بعمرك وحياتك يا محمد، وقد أقسم الله تبارك وتعالى بأشياء كثيرة من مخلوقاته الدالة على كماله وعظمته ليؤكد المعنى في نفوس المخاطبين، فأقسم تعالى بالشمس والقمر والسماء وغير ذلك، بينما نجده سبحانه وتعالى لم يقسم بأحد من البشر إلا بالرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم والإقسام بحياة المُقسم يدل على شرف حياته وعزتها عند المُقسم بها، وأن حياته صلى الله عليه وسلم لجديرة أن يقسم بها لما فيها من البركة العامة والخاصة، ولم يثبت هذا لغيره من الأنبياء صلى الله عليه وسلم، ولقائل أن يقول كيف يحلف الله بمخلوقاته وقد نهانا عن ذلك؟ والجواب أننا لابد أن نعلم أن الله تعالى فعال لما يريد، وهو سبحانه لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون.

 

وليس للعبد أن يسأل الرب عن فعله لم فعله؟ وإنما الواجب عليه أن يفعل ما يأمره الله به، لأن الله تعالى يقسم بما شاء من مخلوقاته تنبيها على شرفه، ولما اعترض إبليس على ربه لما أمره بالسجود لآدم عليه السلام طرده من رحمته، وقال القرطبي لله أن يقسم بما شاء من مخلوقاته من حيوان وجماد، وإن لم يُعلم وجه الحكمة في ذلك، وأيضا فإن الله عز وجل ناداه صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم بصفته بخلاف غيره من الأنبياء، فقد خاطب الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم بالنبوة والرسالة ولم يناده باسمه، زيادة في التكريم والتشريف أما سائر الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام فخوطبوا بأسمائهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى