مقال

نفحات إيمانية ومع إنسانية الحضارة الإسلامية ” جزء 6″

نفحات إيمانية ومع إنسانية الحضارة الإسلامية ” جزء 6″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء السادس مع إنسانية الحضارة الإسلامية، كما خلفت الحضارة الإسلامية مدنا متحفية تعبر عن العمارة الإسلامية كإسطنبول بمساجدها ودمشق والقاهرة بمبانيها الإسلامية وحلب وبخارى وسمرقند ودلهي وحيدر أباد وقندهار وبلخ وترمذ وغزنة وبوزجان وطليطلة وقرطبة وإشبيلية ومرسية وسراييفو وأصفهان وتبريز ونيقيا وغيرها من المدن الإسلامية، وتنفرد الحضارة الإيمانية بجملة من الخصائص التي تميزها عن غيرها من الحضارات المتعاقبة على مر العصور، وهي بأنها حضارة إيمانية، وقد استمدت الحضارة الإسلامية إيمانها من العقيدة الإسلامية، إذ تحلت بمبادئها وأخلاقها وأفكارها كاملة، فهي حضارة مؤمنة بوحدانية الله سبحانه وتعالى، وهى حضارة إنسانية.

 

وهي تلك التي جاءت لتحتضن جميع الشعوب والأمم، ولا تقتصر على جنس بشري أو إقليم جغرافي معين، وتركز جل اهتمامها على الإنسان وتحقيق الرفاهية والسعادة له، وبأنها حضارة معطاء، حيث يشير مفهوم هذه الخاصية إلى أن الحضارة قدمت للعالم ومدت له يد العون في إمداده بالعلم والمعرفة الزاخرة، ما يضمن الرقي والفائدة، وهى أيضا حضارة متوازنة فهي تلك الحضارة التي حافظت على توازن الجانبين المادي والروحي وتحقيق العدالة بينهما، ويعتبر التوازن أحد خصائص الفكر الإسلامي، وهى أيضا حضارة باقية حيث أنها لا يمكن لها الفناء، وباقية إلى يوم القيامة ويعزى السبب في ذلك إلى تكفل الله سبحانه وتعالى بحفظ الدين الحنيف، وهى أيضا حضارة ربانية.

 

فهي تلك التي جاءت وتطورت بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقوم الحضارة الإسلامية على مجموعة من الدعائم والركائز، ومنها الربانية وهى إن القاعدةَ التي تعتمد عليها الحضارة والشريعة الإسلامية هي معرفة الناس بخالقهم حيث تساعد على إيجاد حلول لجميع المشكلات التي تواجه الإنسانية، ودونها لن يتحقّق الإصلاح في المجتمع، وكذلك العدل الشامل، حيث أن للعدل أهمية كبيرة في تحقيق الأمن والاستقرار في المجتمع، والحث على الطاعات، وتحقيق الألفة والمودة بين الناس لذلك يعد العدل قاعدة من أهم قواعد النظام السياسي في المجتمع الإسلامي، ويجب أن يطبق العدل في الحضارة الإسلامية بين جميع الأفراد، سواء كانوا أغنياء أم فقراء أو حاكمين أم محكومين.

 

حتى إن كانوا غير مسلمين، فتحقيق العدل الشامل يساهم في ازدهار البلاد ونموها وعمرانها، فلقد جاء الإسلام ليقضي على الفروقات الجنسية والتفريق العنصري لتحل محلهما الأخوة الإنسانية، فلا فرق بين شرقي أو غربي أو عربي أو أعجمي، فجاءت رسالة الإسلام عالمية لجميع الأمم والشعوب، ودعت إلى عالم تسود فيه العدالة، والحرية، والطمأنينة، والسلام، وكذلك أيضا من الدعائم واركائز هى الشورى، حيث تعد الشورى قاعدة مهمة من قواعد الشريعة الإسلامية، حيث إن الإسلام حث على الشورى في جميع الأمور وأمر باتباعها، ورسخ قواعدها، ولكن لم يحدد كيفية تطبيقها لأن ذلك يختلف باختلاف الأحوال الاجتماعية والمكان والزمان.

 

ومن مظاهر الشورى في الوقت الحاضر إنشاء المجالس النيابية التي يتم من خلالها التشاور في أمور الأمة إلى جانب مشورة ولي الأمر، وكذلك أيضا من الدعائم هو المساواة، حيث إن الإسلام لا يفرق بين الأفراد في المجتمع، فالمساواة شعار أساسي من الشعارات التي ينادي بها، ويجب أن تتحقق المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع الناس مهما كانت عقائدهم وألوانهم وأجناسهم، وفي ظل الإسلام لا فرق بين الراعي والرعية، ولا فرق بين طبقة في المجتمع وطبقة أخرى، والجميع أمام الله سبحانه وتعالى سواء، وكذلك أيضا من الدعائم هو الثبات، حيث يتميّز الإسلام بتشريعاته الثابتة وذلك لأنها ربانية المصدر، أما تشريعات البشر فتتغير وتتعدل لسيطرة الهوى عليها، وقصور علم الناس بما يصلح ويفسد أحوالهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى