مقال

نفحات إيمانية ومع إنسانية الحضارة الإسلامية ” جزء 8″

نفحات إيمانية ومع إنسانية الحضارة الإسلامية ” جزء 8″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثامن مع إنسانية الحضارة الإسلامية، وهى أيضا حضارة اللغة العربية لغتها الأصلية وهي لغة الدين، والعلوم، والأحكام، والثقافة حيث إنها لغة ذات أصول ثابتة وقابلة للتجدد دائما، وإن الحضارة الإسلامية حضارة إنسانية عالمية، فالحضارة الإسلامية من خصائصها وأبرز عوامل قيامها ونهضتها أنها كانت إنسانية بما قامت عليه من مبادئ العدل والمساواة بين البشر، فلا فضل فيها لعربي على أعجمي، ولا لغني على فقير، بل كل واحد فيها يستطيع المشاركة في نهضتها، لذلك ظهر فيها كثير من العلماء الذين لم يكونوا من العرب كابن سينا، والرازي والذين كان لهم إسهامات كبيرة في الحضارة الإسلامية، ومن ميزاتها أيضا أنها حضارة عالمية جاءت لتوصل رسالتها إلى الناس كافة.

 

وقد ظهر ذلك من خلال ما شُيد من المكتبات والجامعات التي كان أبرز أهدافها نشر رسالة الإسلام واستقطاب الطلبة من جميع أنحاء المعمورة، وإن الحضارة الإسلامية العظيمة استمدت وجودها ورقيها من الوحي السماوي الموحى إلى الرسول العظيم محمد صلى الله عليه وسلم إضافة إلى ما استخدمته هذه الحضارة من الإرث الحضاري الذي سبق، ولهذه الحضارة استمرارها المتصل الذي امتد ما يربو على العشرة قرون وذلك ليس بكونها حضارة موجودة فحسب، بل بكونها أرقى حضارة إنسانية في وقتها وأن هناك مقومات أساسية حافظت على ارتقائها، واستمرار حسنها، من رجال حملوا هم هذه الحضارة، وتبنوا سبيلها ومنهجها، وجاهدوا وبذلوا في سبيل رقيها ودوامها.

 

فأي تعريف للحضارة الإسلامية لا بد يذكر هذا الفضل لعزم الرجال، فالحضارة الإسلامية، قامت على منهج من صحيح الوحي وهو المعصوم عن التحريف والتخريب، والسنة النبوية الشريفة، وعملت مع ذلك على استخلاص أخيَر ما سبقها وجاورها من حضارات، ثم انطلقت من هاتين الركيزتين، إلى العلوم الإنسانية، فبرعت فيها، وابتدعت على أساسها مخترعات ومنجزات على كافة الصعد والعلوم، إنسانية أو أدبية أو شرعية أو تطبيقية، وإن الحضارة هي الجهد الذي يقدّم لخدمة الإنسان في كل نواحي حياته، أو هي التقدم في المدنية والثقافة معا، فالثقافة هي التقدم في الأفكار النظرية مثل القانون والسياسة والاجتماع والأخلاق وغيرها، وبالتالي يستطيع الإنسان أن يفكر تفكيرا سليما.

 

أما المدنية فهي التقدم والرقى في العلوم التي تقوم على التجربة والملاحظة مثل الطب والهندسة والزراعة، وغيرها، وقد سميت بالمدنيّة لأنها ترتبط بالمدينة، وتحقق استقرار الناس فيها عن طريق امتلاك وسائل هذا الاستقرار، فالمدنية تهدف إلى سيطرة الإنسان على الكون من حوله، وإخضاع ظروف البيئة للإنسان، ولابد للإنسان من الثقافة والمدنية معا لكي يستقيم فكر الأفراد وسلوكياتهم، وتتحسن حياتهم، لذلك فإن الدولة التي تهتم بالتقدم المادي على حساب التقدم في مجال القيم والأخلاق، دولة مدنيّة، وليست متحضرة ومن هنا فإن تقدم الدول الغربية في العصر الحديث يعد مدنية وليس حضارة لأن الغرب اهتم بالتقدم المادي على حساب القيم والمبادئ والأخلاق.

 

أما الإسلام الذي كرّم الإنسان وأعلى من شأنه، فقد جاء بحضارة سامية، تسهم في تيسير حياة الإنسان، فالحضارة الإسلامية هي ما قدمه الإسلام للمجتمع البشرى من قيم ومبادئ، وقواعد ترفع من شأنه، وتمكنه من التقدم في الجانب المادي وتيسر الحياة للإنسان، فإن الفرد هو اللبنة الأولى في بناء المجتمع، وإذا صلح الفرد صلح المجتمع كله، وأصبح قادرا على أن يحمل مشعل الحضارة، ويبلغها للعالمين، ومن أجل ذلك جاء الإسلام بتعاليم ومبادئ تصلح هذا الفرد، وتجعل حياته هادئة مستقرة، وأعطاه من المبادئ ما يصلح كيانه وروحه وعقله وجسده، وبعد إصلاح الفرد يتوجه الإسلام بالخطاب إلى المجتمع الذي يتكون من الأفراد، ويحثهم على الترابط والتعاون والبر والتقوى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى