غير مصنف

نفحات إيمانية ومع عبد الرحمن بن الأشعث الكندي “جزء 4”

نفحات إيمانية ومع عبد الرحمن بن الأشعث الكندي “جزء 4”

بقلم/ محمــــد الدكــــــرورى

 

ونكمل الجزء الرابع مع عبد الرحمن بن الأشعث الكندي، وكانت ثورة ابن الأشعث هي ثورة حصلت ضد الحجاج بن يوسف الثقفي وكانت بقيادة عبد الرحمن بن الأشعث وشارك فيها عدد من العلماء مثل سعيد بن جبير وعبد الرحمن بن أبي ليلى وغيرهم، ولكنها فشلت في النهاية وكان أسباب فشل هذه الثوره عدة أمور ومنها هو ذكاء عبد الملك بن مروان وشخصيته القيادية وضعف شخصية عبد الرحمن بن الأشعث وعدم خبرته السياسية، وكان أهم نتائج فشل هذه الثورة هو ازدياد تسلط الحجاج، ولقد أراد الحجاج أن يستعين بأسرة ابن الأشعث حين ولي العراق ليكونوا له قوة يعتز بها على أعدائه، فلم يكد يقدم العراق أميرا حتى زوج ابنه محمد من ميمونة بنت محمد الأشعث.

 

ليستميل بذلك أهلها وقومها إليه، وقد أفلح في ذلك، وإن أخفق في استمالة أخيها عبد الرحمن بن محمد الأشعث، وقالوا عن عبد الرحمن أنه كان له أبهة في نفسه وكان جميلا بهيا منطيقا مع ما كان له من التقدم والشرف، فازدهاه ذلك كبرا وفخرا وتطاولا، وقد قربه الحجاج بن يوسف، وألحقه بأفاضل أصحابه وخاصته وأهل سره كما يقولون وأجرى عليه العطايا الواسعة، صلة لصهره وحبّا لإتمام الصنيعة إليه وإلى جميع أهله، فأقام عبد الرحمن كذلك حينا مع الحجاج لا يزيده الحجاج إلا إكراما ولا يظهر له إلا قبولا، وفي نفس الحجاج من عجبه ما فيها، لتشمخه زاهيا بأنفة حتى إنه كان ليقول إذا ما رآه مقبلا ” أما والله يا عبد الرحمن، إنك لتقبل عليّ بوجه فاجر وتدبر عني بقفاء غادر.

 

وأيم الله لنبتلين حقيقة أمرك على ذلك” وقالوا فمكث بهذا القول منه دهرا حتى إذا عيل صبر الحجاج من صلف عبد الرحمن أراد أن يبتلي حقيقة ما يتفرس فيه من الغدر والفجور، وأن يبدي منه ما يكتم من غائلته، فكتب إليه عهده على سجستان، وإنما أراد الحجاج بذلك أن يمهد له سبيل الثورة حتى يحسم أمره، وقد أدركت أسرة ابن الأشعث ما يريده الحجاج، وذعرت من ذلك أشد الذعر، فتوسلوا إلى الحجاج أن يرجع عن عزمه فلم يقبل، فقالوا له ” أصلح الله الأمير، إنا أعلم بك منك فإنك به غير عالم ولقد أدبته بكل أدب، فأبى أن ينتهي عن عجبه بنفسه، ونحن نتخوف أن يفتق فتقا أو يحدث حدثا يصيبنا فيه منك ما يسوءنا، فقال لهم الحجاج، القول كما قلتم والرأي كالذي رأيتم.

 

ولقد استعملته على بصيرة فإن يستقم فلنفسه نظر، وقد صدق رأي الحجاج فيه، فقد توجه ابن الأشعث وهو مصر على الغدر، وقد كتب المهلب بن أبى صفره إلى الحجاج بن يوسف الثقفى يقول له، أما بعد، فإن أهل العراق قد أقبلوا إليك وهم مثل السيل المنحدر من عل، ليس شيء يرده حتى ينتهي إلى قراره، وإن لأهل العراق شرة في أول مخرجهم وصبابة إلى أبنائهم ونسائهم، فليس شيء يردهم حتى يسقطوا إلى أهليهم، ويشموا أولادهم ثم واقفهم عندها، فإن الله ناصرك عليهم إن شاء الله، ولكن حقد الحجاج على عبد الرحمن وغيظه منه كان قد بلغا أقصى مدى، فأعمياه عن سماع هذه النصيحة الحكيمة، كما أعميا خصمه عبد الرحمن عن الرجوع إلى سبيل الرشد.

 

فكانت الحرب الهوجاء الطاحنة التي كادت تعصف بالحجاج فتهلكه، ثم دار القدر دورة أخرى في الساعة الحاسمة فانهزم عبد الرحمن وغنم الحجاج الفوز في ساعة اليأس المميت، ولقد استهان الحجاج برأي المهلب وظنه يخدعه، فقال بعد قراءته، فعل الله به وفعل، لا والله ما لي نظر، ولكن لابن عمه نصح، والحق أن المهلب قد نصح ابن عمه كما نصح الحجاج، وكان بعيد النظر سديد الرأي موفق التدبير، وقد ظهر للحجاج بعد نظر المهلب وصدق رأيه حين هزمه ابن الأشعث فقال، لله أبوه، أي صاحب حرب هو، وقد أشار علينا بالرأي ولكن لم نقبل، ولقد امتلأ ابن الأشعث غرورا بعد هزيمة الحجاج، وظهرت مطامعه الجريئة واضحة في قوله وهو يخطب أصحابه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى