مقال

نفحات إيمانية ومع التقوي مفاتيح الفرج ” جزء 5″

نفحات إيمانية ومع التقوي مفاتيح الفرج ” جزء 5″

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الخامس مع التقوي مفاتيح الفرج، فإن طاعة الله والتوبة إليه ودعاؤه، من أعظم ما يُحصل به الفرج بعد الشدة، فروى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهذه الكلمات عند الكرب “لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرشِ العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض رب العرشِ الكريم” وروى ابن أبي الدنيا قال أتي زياد برجل فأمر به ليقتل, فلما أحس الرجل بالموت قال ائذنوا لي أتوضأ وأصلي ركعتين فأموت على توبة, لعلي أنجو من عذاب الله, فقال زياد دعوه فليتوضأ وليصلى ما بدا له, قال فتوضأ وصلى كأحسن ما يكون, فلما قضى صلاته أتي به ليُقتل, فقال له زياد هل استقبلت التوبة؟

 

قال أي, والذي لا إله غيره, فخلى سبيله، فإن بعد الجوع شبع، وبعد الظمأ ري، وبعد السهر نوم، وبعد المرض عافية، سوف يصل الغائب ويهتدي الضال، ويفك العاني، وينقشع الظلام، فقال ابن رجب ومن لطائف أسرار اقتران الفرج بالكرب، واليسر بالعسر، أن الكرب إذا اشتد وعظم وتناهى، وحصل للعبد اليأس من كشفه من جهة المخلوقين، تعلق قلبه بالله وحده، وهذا هو حقيقة التوكل على الله، وهو من أكبر الأسباب التي تطلب بها الحوائج، فإن الله تعالى يكفي من توكل عليه، كما قال تعالى فى كتابه ” ومن يتوكل على الله فهو حسبه” وقال الفضيل رحمه الله، والله لو يئست من الخلق، حتى لا تريد منهم شيئا، لأعطاك مولاك كل ما تريد.

 

فاعلم أن الله يبتليك في المنع كما يبتليك في العطاء فقال تعالى ” لتبلون فى أموالكم وأنفسكم” فإن الابتلاء مورد من موارد الصبر، وهو فريضة الوقت في المصيبة ، فتذكر، أن الصبر على أقدار الله، هو أحد أصول الإيمان فقال صلى الله عليه وسلم “واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك” رواه أبو داود، وقال صلى الله عليه وسلم ” واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا” رواه أحمد والبيهقي، والصبر من جميل الخلال، و محمود الخصال، فلا تتسخط على أقدار الله، ولا تقع في سب الدهور والأزمان، ولا تلطم وجها، أو تشق جيبا، واحذر أن تفتح على نفسك باب الشيطان الكبير وهو كلمة “لو” فتقول لو أني ما فعلت.

 

فالبلاء أمر قضي وانتهى، والمؤمن يصبر اختيارا، ومن لم يصبر صبر الكرام سلا سلو البهائم، فيقول عمر رضي الله عنه “وجدنا خير عيشنا بالصبر” ويقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه “الصبر مطية لا تكبو” فيجرى القضاء وفيه الخير نافلة، لمؤمن واثق بالله لا لاهي، وإن جاءه فرح أو نابه ترح، في الحالتين يقول الحمد لله، وقال الحسن البصرى رحمه الله “والصبر كنز من كنوز الخير لا يعطيه الله إلا لعبد كريم عنده ” وقال ابن القيم رحمه الله “الرضا باب الله الأعظم، وجنة الدنيا، ومستراح العابدين وقرة عيون المشتاقين، ومن ملأ قلبه من الرضا بالقدر، ملأ الله صدره غنى وأمنا، وفرَّغ قلبه لمحبته والإنابة إليه والتوكل عليه.

 

ومن فاته حظه من الرضا امتلأ قلبه بضد ذلك واشتغل عما فيه سعادته وفلاحه” وإن في المحنة منحة، وفي النقمة نعمة، فيها تقوية للمؤمن وتدريب له على الصبر، وفيها النظر إلى قهر الربوبية وذل العبودية، وفيها خضوع الإنسان لربه وانطراحه بين يديه، فالله تعالى يبتلى خلقه بعوارض تدفعهم إلى بابه يستغيثون به فهذه من النعم في طي البلاء، وليعلم أهل المصائب أنه لولا محن الدنيا ومصائبها لأصاب العبد من أدواء الكبر والعجب وقسوة القلب وما هو سبب هلاكه عاجلا وآجلا فمن رحمة أرحم الراحمين أن يتفقده في الأحيان بأنواع من أدوية المصائب تكون حمية له من هذه الأدواء وحفظا لصحة عبوديته، وفيها العلم بحقارة الدنيا وهو أنها أدنى مصيبة تصيب الإنسان تعكر صفوه وتنغص حياته وتنسيه ملاذه السابقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى