مقال

الإمام محمد الأبشيهي “جزء 2”

الإمام محمد الأبشيهي “جزء 2”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع الإمام محمد الأبشيهي، وإن كتاب الأبشيهي بهذه الموضوعات التي تنتمي إلى فضاءات عدة ومختلفة، وغيرها الكثير يتحول من عمل أراد له صاحبه الإمتاع الأدبي أو على حد تعبيره، ما تشنف بذكره الأسماع إلى موسوعة يستفيد منها المؤرخ وعالم الاجتماع وحتى المفكر، ومن هنا نفهم شهرة الكتاب وإقدام مفكر بوزن هادي العلوي على مجاراة الأبشيهي، وكتابة عمله الشهير، المستطرف الجديد، وينتمي كتاب الأبشيهي إلى نوعين من المؤلفات، فهو ينتظم في سلسلة المؤلفات الأدبية الكبرى، التي تحاول الإلمام بمعارف شتى بأسلوب أدبي جذاب، وإن كان أقل قيمة من من ناحية الأسلوب والمنهج من العقد الفريد على سبيل المثال، و ينتمي أيضا إلى تلك المؤلفات الموسوعية التي انتشرت في العصر المملوكي.

 

وخاصة بعد اجتياح بغداد على أيدي التتار ورغبة الكثيرين في حفظ التراث العربي من الضياع عبر القيام بما يشبه بتدوين كل المعارف المتواجدة وحفظها من جديد للأجيال المقبلة، ولكن ميزة كتاب الأبشيهي عن غيره من تلك الكتب المكرسة والمعترف بها من النقاد، دخول الثقافة الشعبية ضمن أولويات المؤلف وهو يجمع ماده كتابه، فكتب ابن عبد ربه والجاحظ والتوحيدي وغيرهم تتوجه إلى النخبة، من خلال طرائق التعبير والمنهجية شبه الصارمة والقضايا المطروحة للنقاش، بخلاف الأبشيهي الذي يسرد المعرفة بروح الحكّاء، ويضمن موضوعاته الكثير من الصور والالتقاطات والقصص التي تتعلق بالبسطاء وتهمهم في حياتهم اليومية.

 

لقد كانت تحدو مؤلفنا الرغبة في نشر المعرفة بين أوسع نطاق ممكن من المتلقين، وبعد البداية الدينية يتحدث الأبشيهي عن فضل العلم والأدب وفضل العقل، يمدح العقل ويذم الحمق، وهو يذكرك بالجاحظ عندما يقول والسكوت عن الأحمق جوابه، ونظر بعض الحكماء إلى أحمق على حجر فقال حجر على حجر، ثم يعرج على الآداب والحكم وهنا يتجول بين القرآن الكريم والحديث الشريف والأشعار وأقوال فلاسفة الإغريق وغيرهم، وبعد ذلك ينتقل إلى الأمثال، وفي هذا الباب يظهر النزعة الموسوعية حيث يقسمه إلى فصول أمثال القرآن الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، في أمثال العرب، وفي أمثال العامة والمولدين، في الأمثال من الشعر مرتبة على حروف المعجم.

 

وفي الأمثال السائرة بين الرجال والنساء مرتبة على حروف المعجم، فكأنك أمام كتاب مستقل في الأمثال، وهو كتاب لا يميز بين الأمثال التي تمتلئ بها الكتب المعروفة في هذا المجال وموجهة إلى المثقفين والأمثال الشعبية المكتوبة باللغة العامية، يقول مثلا فرحت حزينة خربت مدينة، وماشطة وتمشط بنتها، وغيرك يقوم مقامك عليش قلبي أعذبه، ويخصص بابا كاملا في ذكر سرقات الشعراء وسقطاتهم، وبابا آخر للفصاحة والبلاغة، وبابا ثالثا للأجوبة المفحمة للخصم، ويسرد فيه حكايات ونوادر من هنا وهناك تدل على قوة بعضهم في استخدام الحجج والقدرة على الجدل، وقيل أنه قد ولد محمد بن أحمد بن منصور في عام سبعمائه وتسعين من الهجره.

 

 

في قريه أبشويه، إحدى قرى محافظة الغربية في مصر، فنسب إليها، والمعلومات عن حياته ضئيلة جدا، منها مثلا حفظه للقرآن الكريم كاملا وهو ابن عشر سنين، وتوليه الخطابة بعد رحيل والده في أحد مساجد مدينة المحلة الكبرى، ووفاته في عام ثمانى مائه وخمسين من الهجره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى