مقال

أسامة بن زيد ” جزء 2″

أسامة بن زيد ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع أسامة بن زيد، إنه أسامة بن زيد، الذى كان لقبه بين الصحابة الحبّ بن الحبّ ، فأبوه زيد بن حارثة خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي آثر الرسول صلى الله عليه وسلم على أبيه وأمه وأهله، والذي وقف به النبي صلى الله عليه وسلم على جموع أصحابه يقول ” أشهدكم أن زيدا هذا ابني، يرثني وأرثه” وظل اسمه بين المسلمين زيد بن محمد حتى أبطل القرآن الكريم عادة التبني، وأسامة هذا ابنه، وأمه هي أم أيمن، مولاة رسول الله وحاضنته، لم يكن شكله الخارجي يؤهله لشيء، أي شيء، فهو كما يصفه الرواة والمؤرخون أسود، أفطس، أجل، بهاتين الكلمتين، لا أكثر يلخص التاريخ حديثه عن شكل أسامة ولكن، متى كان الإسلام يعبأ بالأشكال الظاهرة للناس؟

 

ومتى، ورسوله صلى الله عليه وسلم هو الذي يقول” ألا ربّ أشعث، أغبر، ذي طمرين لا يؤبه له، لو أقسم على الله لأبرّه” فلندع الشكل الخارجي لأسامة إذن ، لندع بشرته السوداء، وأنفه الأفطس، فما هذا كله في ميزان الإسلام مكان، ولننظر ماذا كان في ولائه ؟ ماذا كان في افتدائه ؟ في عظمة نفسه، وامتلاء حياته ؟ فلقد بلغ من ذلك كله المدى الذي هيأه لهذا الفيض من حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقديره، وكان أسامة بن زيد رضي الله عنهما مالكا لكل الصفات العظيمة التي تجعله قريبا من قلب الرسول صلى الله عليه وسلم، وكبيرا في عينيه، فهو ابن مسلمين كريمين من أوائل المسلمين سبقا إلى الإسلام، ومن أكثرهم ولاء للرسول صلى الله عليه وسلم وقربا منه.

 

وهو من أبناء الإسلام الحنفاء الذين ولدوا فيه، وتلقوا رضاعتهم الأولى من فطرته النقية، دون أن يدركهم من غبار الجاهلية المظلمة شيء، وهو رضي الله عنه على حداثة سنه، مؤمن، صلب، ومسلم قوي، يحمل كل تبعات ايمانه ودينه، في ولاء مكين، وعزيمة قاهرة، وهو مفرط في ذكائه، مفرط في تواضعه، ليس لتفانيه في سبيل الله ورسوله حدود ، ثم هو بعد هذا، يمثل في الدين الجديد، ضحايا الألوان الذين جاء الإسلام ليضع عنهم أوزار التفرقة وأوضارها، وقد ولاه النبي صلى الله عليه وسلم قيادة جيش المسلمين المتوجه لغزو الروم في الشام الذي كان في صفر سنة إحدى عشرة من الهجرة، وقد تأخر أسامة بالجيش لما بلغه نبأ مرض الرسول، وانتظر حتى وصل الخبر بوفاة الرسول صلي الله عليه وسلم.

 

فلما استخلف أبو بكر، سار إلى الجرف، فأمر أسامة أن يسير بالجيش إلى الوجهة التي وجهه إليها الرسول صلى الله عليه وسلم ومشى معه أبو بكر الصديق رضي الله عنه يودعه، وأسامة راكب فرسه، فقال يا خليفة رسول الله، إما أن تركب، وإما أن أنزل” فقال أبو بكر رضي الله عنه، والله لا تنزل ولا أركب، وما عليَّ أن أغبر قدمي ساعة في سبيل الله، ثم ودع أسامة وأوصاه بوصية جامعة تصلح أن تكون أساسا لقوانين الحرب والجهاد، حيث قال له أبو بكر الصديق رضي الله عنه ” سيروا على بركة الله، واغزوا باسم الله، وقاتلوا من كفر بالله، ولا تغدروا ولا تغلوا، ولا تقتلوا شيخا كبيرا ولا امرأة ولا طفلا، ولا تقطعوا شجرة، ولا تذبحوا شاة إلا للأكل” وقد رجع أسامة من تلك الغزوة ظافرا منتصرا.

 

وشارك بعد ذلك في حروب الردة، والفتوحات التي تلت، وقد اعتزل أسامة بن زيد الفتن بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان، وعندما قتل الخليفة علي بن أبي طالب تنازل الحسن بن علي بن أبي طالب عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان عندئذ بايع أسامة معاوية مع عدد كبير من الصحابة مثل سعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة، وكان قد سكن المزة غرب دمشق ثم رجع فسكن وادي القرى ثم نزل إلى المدينة المنورة فمات بِها بالجرف وقيل أنه مات سنة أربعه وخمسون من الهجره، وقيل ظل حيا حتى أواخر خلافة معاوية بن ابي سفيان وقيل انه مات سنة واحد وستون من الهجرة، والله أعلم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى