مقال

الصحابي خباب بن الأرتّ “جزء 3”

الصحابي خباب بن الأرتّ “جزء 3”

بقلم / محمــــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثالث مع الصحابي خباب بن الأرتّ، ولم يكتف رضي الله عنه في أيام الدعوة الأولى بالعبادة والصلاة، بل استثمر قدرته على التعليم، فكان يغشى بيوت بعض اخوانه من المؤمنين الذين يكتمون اسلامهم خوفا من بطش قريش، فيقرأ معهم القرآن ويعلمهم اياه، ولقد نبغ في دراسة القرآن وهو يتنزل آية آية ، وسورة، سورة حتى ان عبد الله بن مسعود، وهو الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من أراد أن يقرأ القرآن غصّا كما أنزل، فليقراه بقراءة ابن أم عبد ” وإن عبد الله بن مسعود كان يعتبر خبّابا مرجعا فيما يتصل بالقرآن حفظا ودراسة، وهو الذي كان يدرّس القرآن للسيده فاطمة بنت الخطاب وزوجها سعيد بن زيد عندما فاجأهم عمر بن الخطاب متقلدا سيفه الذي خرج به ليصفي حسابه مع الاسلام ورسوله.

 

ولكنه لم يكد يتلو القرآن المسطور في الصحيفة التي كان يعلم منها خبّاب، حتى صاح صيحته المباركة ” دلوني على محمد ” وسمع خبّاب كلمات عمر هذه، فخرج من مخبئه الذي كان قد توارى فيه وصاح ” يا عمر والله اني لأرجو أن يكون الله قد خصّك بدعوة نبيّه صلى الله عليه وسلم، فاني سمعته بالأمس يقول اللهم أعز الاسلام بأحبّ الرجلين اليك، أبي الحكم بن هشام، وعمربن الخطاب ” وسأله عمر من فوره وأين أجد الرسول الآن يا خبّاب، فقال خباب ” عند الصفا، في دار الأرقم بن أبي الأرقم ” ومضى عمر الى حظوظه الوافية، ومصيره العظيم، وقيل أنه دخل خباب بن الأرت، على عمر بن الخطاب رضى الله عنهما، فأجلسه على متكئه وقال ما على الأرض أحد أحق بهذا المجلس من هذا إلا رجل واحد، قال له خباب رضى الله عنه، من هو يا أمير المؤمنين؟

 

قال بلال بن رباح، فقال خباب رضى الله عنه، ما هو بأحق مني إن بلال كان له في المشركين من يمنعه الله به، ولم يكن لي أحد يمنعني، فلقد رأيتني يوما أخذوني فأوقدوا لي نارا، ثم سلقوني فيها، ثم وضع رجل رجله على صدري، فما اتقيت الأرض إلا بظهري، قال ثم كشف عن ظهره، فإذا هو قد برص، وقد شهد خبّاب بن الأرت جميع المشهد والغزوات مع النبي صلى الله عليه وسلم، وعاش عمره كله حفيظا على ايمانه ويقينه، وعندما فاض بيت مال لمسلمين بالمال أيام عمر وعثمان، رضي الله عنهما، كان خبّاب صاحب راتب كبير بوصفه من المهاجرين لسابقين الى الاسلام، وقد أتاح هذا الدخل الوفير لخبّاب أن يبتني له دارا بالكوفة، ومع هذا فقد كان خبّاب لا يرقأ له جفن، ولا تجف له دمعة كلما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم.

 

وأصحابه الذين بذلوا حياهم لله، ثم ظفروا بلقائه قبل أن تفتح الدنيا على المسلمين، وتكثر في أيديهم الأموال، وكان خباب رضى الله عنه، يتحدث االى عوّاده الذين ذهبوا يعودونه وهو في مرض موته، قالوا له أبشر يا أبا عبد الله، فانك ملاق اخواتك غدا، فأجابهم وهو يبكي أما انه ليس بي جزع، ولكنكم ذكّرتموني أقواما، واخوانا، مضوا بأجورهم كلها ام ينالوا من الدنيا شيئا، وانا بقينا بعدهم حتى نلنا من الدنيا ما لم نجد له موضعا الا التراب ” وأشار الى داره المتواضعة التي بناها، ثم أشار مرة أخرى الى المكان الذي فيه أمواله وقال “والله ما شددت عليها من خيط، ولا منعتها من سائل” ثم التفت الى كنفه الذي كان قد أعدّ له، وكان يراه ترفا واسرافا وقال ودموعه تسيل ” أنظروا هذا كفني، لكن حمزة بن عبد المطلب، عم الرسول صلى الله عليه وسلم.

 

لم يوجد له كفن يوم استشهد الا بردة ملحاء، اذا جعلت على رأسه قلصت عن قدميه، واذا جعلت على قدميه قلصت عن رأسه “ومات خبّاب في السنة السابعة والثلاثين للهجرة، مات أستاذ صناعة السيوف في الجاهلية، وأستاذ صناعة التضحية والفداء في الاسلام، وتوفى خباب بن الأرت رضى الله عنه، بالكوفة، وكان أول من دُفن بظهر الكوفة، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة، وصلى عليه علي بن أبي طالب رضى الله عنه، حين منصرفه من صفين، ثم وقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضى الله عنه، على قبره قائلا “رحم الله خبابا، فلقد أسلم راغبا، وهاجر طائعا، وعاش مجاهدا، وهكذا مات الرجل الذي كان أحد الجماعة الذين نزل القرآن يدافع عنهم، ويحييهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى