مقال

صفة الجود والكرم ” جزء 1″

صفة الجود والكرم ” جزء 1″

بقلم / محمــــد الدكـــــرورى

 

إن الكرم هو عمدة مكارم الأخلاق، فيفتخر به الأبناء والأحفاد، وتتناقله أخبار الركبان، وتدونه الصحف والكتب، ويسجله التاريخ بمداد الفخر على صفحات الأيام، والسخاء والكرم يقلل الأعداء، ويكثر الأحباء، ويغفر الزلات ويستر العيوب، فالسخي محبوب في حياته وبعد موته، والناس يجلونه في حضرته وغيبته، ويقلدونه في قوله وفعله والسخي كلمته مسموعة، وأمره مطاع ورأيه سديد، وإن الكرم هو إنفاق المال الكثير بسهولة من النفس في الأمور الجليلة القدر، الكثيرة النفع، وهو التبرّع بالمعروف قبل السؤال، والإطعام في المحل، والرأفة بالسائل مع بذل النائل، والكرم هو البذل والسخاء بالنفس والوقت والمال والجاه في جميع الأحول، وإن للكرم فضل عظيم ومنزلة علية في الشريعة الإسلامية، وقد رفع الإسلام قدر الكرم والكرماء.

 

والسخاء صفة تستر بها العيوب وتزال بها الكروب والأزمات، ولا يشترط أن تجود بكل ما تملك، وإنما بما تقدر من حسن الخلق واللين والميسور والتحية وإطعام الطعام الموجود بلا تكلف، ولقد كان سائر الصحابة رضوان الله عليهم جميعا، كانوا كرماء أسخياء،لا يريدون بسخائهم إلا وجه الله عز وجل، ولذلك سجل الله ذكرهم في القرآن الكريم، ووعدهم في الدنيا بالنجاح والفلاح، وأمنهم على أنفسهم من فزع يوم القيامة، ولقاهم بعد ذلك كله نضرة وسرور، ولو أن الناس يعلمون ما في السخاء والجود والكرم من مآثر وحسنات، لأسرعوا إليه، ولجادوا بأغلى ما يملكون، فإن السخي يحبه الله عز وجل، وهو قريب من الجنة، وبعيد من النار، إن ذلكم الخلق يؤلف بين أبناء الأمة ويجعل منها جسدا واحد إذا اشتكى من عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.

 

وإن منبع ذلك الخلق هو إرادة وجه الكريم عز وجل، فإنه خلق الكرم الذي تفرع وتشعب في جميع شعب الإيمان وفي شتى مناحي الحياة، والكرم هو صفة من صفات الأنبياء والمرسلين فهم صفوة خلق الله تعالى وقد اتصفوا بمعالي الأمور، فحقا إنه الكرم فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال إني مجهود فأرسل إلى بعض نسائه فقالت والذي بعثك بالحق نبيا ما عندي إلا ماء ثم أرسل إلى أخرى فقالت مثل ذلك حتى قلن كلهن مثل ذلك فقال “من يضيف هذا الليلة رحمه الله” فقام رجل من الأنصار فقال أنا يا رسول الله، فانطلق به إلى رحله فقال لامرأته هل عندك شيء؟ قالت لا إلا قوت صبياني قال فعلليهم بشيء فإذا دخل ضيفنا فأضيئي السراج وأريه أنا نأكل فإذا أهوى ليأكل قومي إلى السراج حتى تطفئيه.

 

قال فقعدوا وأكل الضيف فلما أصبح غدا على النبي صلى الله عليه وسلم فقال “لقد عجب الله من صنيعكما الليلة” والكرم من صفات الله سبحانه وتعالى، ومن كرمه عز وجل أن فوقك إلى الطاعة وهداك إلى الصراط المستقيم ويثيبك على الحياة الطيبة في الدنيا والجنة في الآخرة، ومن كرمه عز وجل أن جعل الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف وجعل السيئة بواحدة و يعفو سبحانك يا غني يا كريم، وهناك أيضا الكرم بالمشاعر والعاطفة والكلمة الطيبة والابتسامة المشرقة، والبخل بهذه الأشياء من أبشع صور البخل وأقساها وأسوؤها أثرا على العلاقات والنفوس، فهناك من البخلاء حين يراك يظل وجهه متصلبا لا يبش بنظرة ولا يلين بابتسامة، وكأنه يخاف على وجهه أن يتهدم، أو على شفتيه أن تتثلم، وهناك من يعجبه صنيعك وتصرفك.

 

ولكنه يشح عليك بكلمة شكر أو تقدير يسعدك بها، وفيهم من يحبك حبا حقيقيا ولكنه يبخل عليك أن يقر لك بهذا الحب أو يعترف لك بهذه المشاعر، وإن من أعظم صفات الكريم الجواد البسمة على محياه، والتهلل والبشر، ويوم تراه تجده متهللا، وقيل أنه كان نبى الله إبراهيم الخليل عليه السلام إذا أراد الأكل خرج ميلا، أو ميلين يلتمس من يأكل معه فبصدق نيته دامت ضيافته في مشهده إلى يومنا هذا، وهو أول من بنى دار الضيافة، وجعل لها بابين، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال إن الله وسع على خليله في المال، والخدم فاتخذ بيتا للضيافة له بابان يدخل الغريب من أحدهما ويخرج من الآخر وجعل في ذلك البيت كسوة الشتاء والصيف، ومائدة منصوبة عليها طعام فيأكل الضيف ويلبس إن كان عريانا، ومن الكرم والجود والسخاء هو القناعة بما تيسر من أخلاق الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى