مقال

شهر رجب وذكري الإسراء والمعراج ” جزء 4″

شهر رجب وذكري الإسراء والمعراج ” جزء 4″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الرابع مع شهر رجب وذكري الإسراء والمعراج، وكان أبو لهب من أكثر الناس كراهية للدعوة وصاحبها صلى الله عليه وسلم، حتى إنه كان يلاحق النبي صلى الله عليه وسلم في موسم الحج ، وفي الأسواق يرميه بالحجارة ويقول” إنه صابئ كذاب ” ويحذر الناس من اتباعه، فضاقت مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتد به الحال، حتى فكر في أن يتخذ أسلوبا آخر في دعوته بتغيير المكان، لعله أن يجد قبولا، فاختار الخروج للطائف، التي كانت تمثل مركزا مهما لسادات قريش وأهلها، ومكانا استراتيجيا لهم، حيث كانوا يملكون فيها الأراضي والدور، وكانت راحة لهم في الصيف، فعزم على الخروج إليها راجيا ومؤملا أن تكون أحسن حالاً من مكة، وأن يجد من أهلها نصرة، فخرج على أقدامه حتى لا تظن قريش أنه ينوي الخروج من مكة.

 

وكان في صحبته غلامه زيد بن حارثه وهو ابن الرسول صلى الله عليه وسلم بالتبني، وكان بمثابة الحامي والحارس لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد أن أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم جميع السبل، وأخذ الحيطة والحذر، أقبل على الطائف وكله أمل أن تكون أرض خير وإسلام، لكن كانت المفاجأة، فإنها الذكرى التى سبقَت حادثة الإسراء والمعراج، فهذه الذكرى هي رحلة سيد البشرية، هى رحلة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، تلك الرحلة التي قام بها النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أدرك وعلم أنه لا مقام له بمكة بعد موت عمه أبي طالب، وزوجته السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وكثرة إيذاء المشركين له، فلقد أسرفوا في إيذائه إسرافا بعيدا عن الكرامة والإنسانية، فقد كان النبى الكريم صلى الله عليه وسلم يمر في السوق.

 

فينثرون على رأسه التراب، فيذهب الصابر المحتسب إلى بيته فتغسله ابنته السيدة فاطمة الزهراء، وكان عمرها آنذاك ثلاث عشرة سنة، فتسأله السيدة فاطمة رضى الله عنها وهي تبكي ما هذا الذي أرى يا أبتاه؟ وتمرح الابتسامة النبوية الشريفة على شفتيه صلى الله عليه وسلم وهو يقول لها “لا تبكي يا بنية، إن الله مانع أباك” حقا فإنه هو نداء الحق الذي لا يتزعزع، هذا هو الثبات على المبدأ والعقيدة، وتظل السيدة فاطمة رضى الله عنها تبكي، وتقول له وهل يبقى هذا يتبعك يا أبتاه؟ فيرد عليها النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم “سأغادر مكة يا فاطمة” إلى أين يا أبتاه؟ فيقول صلى الله عليه وسلم”إلى مكان يُسمع فيه صوت الحق، ويعينني على أعدائي” حتى إنه صلى الله عليه وسلم صوَّر هذه الحقيقة بقوله “ما نالت منى قريش شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب”

 

فقرر النبى الكريم صلى الله عليه وسلم أن يخرج بالدعوة من مكة إلى الطائف لعله يجد بينهم من يؤمن بهذه الرسالة الخالدة، ويطلب النصرة والعون من أهلها، ويرجو أن يقبلوا منه ما جاءهم به من عند الله تعالى، ولكن كيف وصل النبى الكريم صلى الله عليه وسلم إلى الطائف؟ وكيف استطاع أن يقطع كل هذه المسافة؟ أو هل سار على الأقل على بعير أصيل؟ فالإجابة هى لا، إنما سار إلى الطائف على قدميه الشريفتين، وتصوروا المشقة التي لاقَت رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الرحلة من مكة إلى الطائف، والطائف تبعد عن مكةَ المكرمة حوالي أكثر من خمسة وثمانين كيلو مترا، وكل هذه المتاعب والمحن والشدائد من أجل ماذا؟ هل من أجل الحصول على الجاه؟ هل من أجل الحصول على المنصب؟ هل من أجل الحصول على المال؟

 

هل من أجل الحصول على الملذات والشهوات؟ هل من أجل الحصول على الشهرة؟ لا، بل من أجل أن يخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن أجل الدين والعقيدة، وفي الطائف التي وصلها صلى الله عليه وسلم بعد جهد طويل يتعرض لبلاء أكبر، لقد التقى بنفر من سادة ثقيف، فجلس إليهم ودعاهم إلى الله، وإلى الدين الجديد، وعرض عليهم المهمة التي جاء من أجلها، وطلب منهم السند والعون، ولكن أهل الطائف لم يكونوا أشرف من سادة قريش، فقد ردوه ردا عنيفا، وكيف تقبل ثقيف دعوته، وعندهم صنمهم المعبود المقدس اللات، الذي تزوره العرب أيام الصيف الحار في الطائف فتستفيد ثقيف منهم؟ أما لو دخلوا في دين الإسلام، فلن يزورهم أحد، وسيحرمون من الأرباح الطائلة، فكيف تقبل ثقيف دعوته؟ كيف يقبلون دعوته وهو يدعوهم إلى مبدأ المساواة بين العبيد والسادة، وإزالة تجارة الربا؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى