مقال

أرجى عمل……….

أرجى عمل.

بقلم/ أحمد عيسى

بعد أن أنهى المعلم عاصم شرح قصة حديث الثلاثة الذين احتجزتهم صخرة داخل غار، ذلكم الحديث الذي رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، وكيف أنهم لم يجدوا ملجأً من الله إلا إليه لينجيهم مما هم فيه، ويكشف كربتهم.

المعلم: هكذا يا أبنائي وبناتي عندما تحيط بالعبد الكروب، وتحدق به الملمات والخطوب، وتوصد أمامه جميع الأبواب، وتتقطع بإزائه كل الأسباب، يبقى حبلٌ واحد لا ينقطع، ويظل باب واحد لا ينغلق؛ وهو باب السماء، والالتجاء إلى الله بالدعاء.

فمن منكم قد عمل عملاً صالحاً يرجو به أن يلقى الله فيغفر له ويسامحه ويعفو عنه ويكافئه؟

مريم: ذات يومٍ كنت ألعب في حديقة المنزل، فإذا بي أثناء لهوي أرى عصفوراً يطير متمايلاً ثم يتعثر ويسقط عدة مراتٍ، فاقتربت منه، ثم لمحت في عينيه رجاءً ووجلاً، وتوسلاً وأملاً.

أمسكت بالعصفور في لطفٍ وحنان، ومسحتُ على رأسه الصغير بحنوّ وشفقة، ولما دققتُ النظر فيه وجدتُ أحد جناحيه جريحاً، فظننت أنه ربما كان من تصويب صائد ببندقية، أو جراء عبث طفلٍ بنَبْل.

على الفور، صعدتُ بالعصفور إلى المنزل، وهناك رجوتُ أمي أن تساعدني في تضميد جرحه، وتخفيف ألمه، فإذا بها تشكرني على رقة قلبي، ودفء مشاعري، وحناني واحتفائي بطيرٍ ضعيفٍ لا حول له ولا قوة!!

لقد مكث العصفور برفقتي يوماً أو بعض يوم، ثم بعد أن تماثل للشفاء رأيته يعاود محاولة الطيران، ثم بعد مراتٍ ثلاث نجح تماماً في الانطلاق من نافذة غرفتي.

لكن العصفور سرعان ما عاد إليَّ بعد لحظاتٍ طائراً يحلق حول رأسي مغرداً، كأنه يشكرني على صنيعي معه، ثم راح يعاود طيرانه جذلانَ فرِحاً في الحديقة بين أغصان الأشجار.

المعلم: أحسنت يا مريم، إنه عمل نبيل، توجهت به إلى مخلوق من الطير ضعيف مهيض؛ ما من شك أن عملك له أجر كبير يثقل الله به ميزان حسناتك.

رقية: أما أنا فقد كنت ذاهبة إلى المدرسة، فرأيت جرواً قد أمسك به صِبية، وقام أحدهم بربط عنقه بحبل خشِن، وجعل آخرُ يشده من أذنه، وشرع ثالث يجره من ذيله، دون اكتراث بآلام الجرو وعوائه وبكائه!!

اقتربت في شجاعة منهم، ورجوتهم أن يخلوا سبيل الجرو، فضحكوا من رجائي، وسخروا من توسلي، ولجُّوا في عبثهم يلهون ويلعبون، عندها عزمت سريعاً أن أشتري الكلب منهم لأخلصه من أذى الصبية وشرورهم، فتقدمت إليهم..

رقية: بكم تبيعونني هذا الجرو المسكين؟

الصبية: بعشرة جنيهات.

الطفلة: لكن ليس معي سوى خمسة جنيهات مصروفي اليوم.

الأطفال (يتشاورون): هاتها وما معكِ من طعامٍ.. هيا أسرعي.

وفي الوقت الذي كان الصبية يتشاجرون على اقتسام خمسة الجنيهات و”السندوتشات”، كانت رقية مشغولة بفك عنق الجرو وإطلاق سراحه، بعيداً عن الصبية الذين سرعان ما جرى أحدهم بالنقود ليتبعه الآخران عدواً وقفزاً.

المعلم: إنه عمل نبيل، اجتمع فيه الرأفة بالحيوان، وبذل المال في سبيل هدفٍ سامٍ، ينشد الرحمة لمخلوق صغير يتألم من أسرٍ أصابه، وتنكيل ألمَّ به!

حمزة: كنتُ في طريق عودتي إلى البيت، فإذا بقطٍّ يحاول أن يعبر الطريق، فلم ينتبه أحد المارين بسياراتهم لوجود القط ومروره، فإذا به يصدم القطَّ صدمة قوية طوَّحت به إلى الرصيف بشدة، فترنح القط ثم استدار واقفاً، ثم حانت منه التفاتة نادمة مع صوت وداعٍ خفيض، ثم لم تمرَّ ثوانٍ حتى أسلم النفس فسكنت حركاته وانقطع نَفَسُه ومواؤه!!

بعدها.. عبرت بهدوء بين أرتال السيارات، وذلك حين توقفت إشارة المرور، إلى القط الصريع الملقى قبالة الرصيف، ثم أخرجت كيساً بلاستيكياً من حقيبتي فارتديته في إحدى يدي، ثم جررت القط النافق من قدميه، وعبرتُ به إلى جزيرة بين طريقي السيارات، وأخذت أتلفت حولي إلى أن لاحت لي حفرة كبيرة أسفل شُجيرة، فوسَّدتُ فيها القط برفقٍ، ثم أهلتُ عليه كثيراً من التراب حتى واريته عن الأنظار.

المعلم: لقد أحسن حمزة على نحو ما أحسنت زميلتاه مريم ورقية.

أخيراً يا أبنائي وبناتي، فلئن كانت قصة أصحاب الصخرة قد أرست فينا أصول الأخلاق والعلاقات الاجتماعية بين البشر؛ فإن قصصكم الثلاث قد رسَّخت مبادئ الأخلاق والعلاقات وأزكتها بين الإنسان والطير والحيوان!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى