مقال

نبي الله صالح عليه السلام “جزء 2”

نبي الله صالح عليه السلام “جزء 2”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع نبي الله صالح عليه السلام، وكان قوم ثمود يتمتعون بقوة هائلة في الأجسام، فنحتوا الجبال وجعلوها بيوتا، ومن رأى مدائن ثمود التي مر عليها الآلاف من السنين وكيف تفننوا في نحت الجبال وتزيينها، ويدرك صدق القرآن حينما قال “وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين” ومع قوة أجسامهم فهم لم يكن معهم قوة في العقول، فآثروا الكفر على الإيمان والباطل على الحق، فعبدوا الأوثان من دون الله عز وجل لأنها عبادة من سلف من آبائهم وأجدادهم، وما أصعب خُلق الإنسان وصلابته حين ينشأ في بيئة عاشت على الضلال وعلى الغواية حتى اعتقد أنها على الحق وغيرها على الباطل، وإن هذا الإنسان الذي عمي قلبه عن الحق في حاجة إلى منفذ ينتشله من هذا الجو الموبوء، ولهذا تجلت رحمة الله تعالي في هؤلاء القوم.

 

حين بعث لهم رسولا كريما منهم يعرفون حسبه ونسبه وخلقه يدعى صالح عليه السلام، فبعث الله عز وجل نبيه صالح عليه السلام إليهم يدعوهم إلى الله تعالى ويذكرهم بنعم الله عليهم، لأن الإنسان قد يتقلب في نعم الله في صباحه ومسائه، ثم مع إلفه للنعم يجحد النعمة وينسى شكر المنعم جل جلاله، فذكرهم نبي الله صالح عليه السلام بنعم الله عليهم لعلهم يتذكرون، ولعلهم تلين قلوبهم، وأيد الله سبحانه وتعالى نبيه صالح عليه السلام بمعجزة باهرة، وهي معجزة الناقة، حيث انشقت حجارة الجبال عن ناقة عظيمة كانت معجزة في خلقها وشربها، فكانت تشرب مياه البئر في يوم دون أن يشرب منه أحد فتنتج ألبانا يشرب منها جميع الناس صغارا وكبارا، رجالا ونساء، حتى يرتوون ويشبعون، وعلى الرغم من تلك الآية الباهرة إلا أن قوم صالح عليه السلام.

 

أصروا على استكبارهم وجحودهم فرفضوا دعوة نبيهم، ولم يكتفوا بذلك، بل بيتوا في أنفسهم نية ذبح الناقة، فانتدبوا أحد أشقيائهم وهو أحيمر ثمود فتوجه إلى الناقة وعقرها، ولنعلم جميعا إن الأنبياء والرسل هم أشخاص اختارهم الله عز وجل ليحملوا رسالته ويبلغوها إلى الناس لأجل هدايتهم لطريق الخير، ودعوتهم إلى عبادته وحده لا شريك له، ويقصد بالرسول أنه من يوحى إليه بشريعة الله سبحانه وتعالى ويكون مكلفا بتبليغها ويحمل رسالة سماويةً جديدة، أما النبي يقصد به من يوحى إليه بشريعة الله عز وجل ولكنه لا يحمل رسالة سماوية جديدة بل تكون مكملة لشريعة سابقة، ولقد استخلف الله عز وجل، الإنسان لمهمة عُمران الأرض، وأخبره أن الحياة ليست لهوا، وعرّفه بمهمته عن طريق الأنبياء والرسل الذين كانوا دليل إرشاد ونصح للبشرية.

 

وكلمة النبي مشتقة من النبوه، وهي المكان المرتفع من الأرض، وسمي النبي نبيا لأنه مُنبئ، أي مُخبر بما يوحى إليه من الله عز وجل، ويُبعث النبي إلى قوم بشريعة سابقة، فيحكم بما نسوه، ويُبطل ما ابتدعوه، ولا يُنزل عليه كتاب، أما الرسول فيقصد به الإرسال والتوجيه فهو حامل الرسالة من الله تعالي يبلغها لقوم لم يأتهم نذير من قبل، فبعث الله سبحانه وتعالى صالحا عليه السلام، الى قومه، وهم الذين فجروا العيون وغرسوا الحدائق والبساتين، ونحتوا من الجبال بيوتا، وأمنوا غوائل الدهر، ونوائب الحدثان، وكانوا في سعة من العيش ورغد ونعمة وترف، ولكنهم لم يشكروا الله، ولم يحمدوا له فضله، بل زادوا عتوا في الأرض وفسادا، وبُعدا عن الحق واستكبارا، وعبدوا الأوثان من دون الله، وأشركوا به، وأعرضوا عن آياته.

 

 

وظنوا أنهم في هذا النعيم خالدون، وفي تلك السعة متروكون، وكان نبى الله صالح عليه السلام، من أشرفهم نسبا، وأوسعهم حلما، وأصفاهم عقلا، وقيل أن صالح النبي صلى الله عليه وسلم من العرب لما أهلك الله عادا وانقضى أمرها عمرت ثمود بعدها فاستخلفوا في الأرض فانتشروا ثم عتوا على الله فلما ظهر فسادهم و عبدوا غير الله، فدعاهم إلى عبادة الله، وحضهم على توحيده، فهو الذي خلقهم من تراب، وعمر بهم الأرض، واستخلفهم فيها، وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة، ثم نهاهم أن يعبدوا الأصنام من دونه، فهي لا تملك لهم ضرا ولا نفعا، ولا تغني عنهم من الله شيئا، وذكرهم بأواصر القربى التي تربطه بهم، ووشائج النسب التي تصل بينه وبينهم، فهم قومه وأبناء عشيرته، وهو يحب نفعهم، ويسعى في خيرهم، لا يضمر لهم سوءا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى