مقال

الخليفة العباسي أبو جعفرالمنصور “جزء 2”

الخليفة العباسي أبو جعفرالمنصور “جزء 2”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع الخليفة العباسي أبو جعفرالمنصور، وكان فصيحا بليغا مفوها خليقا للإمارة وكان غاية في الحرص والبخل فلقب أبا الدوانيق لمحاسبته العمال والصناع على الدوانيق والحبات، وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “منا السفاح ومنا المنصور ومنا المهدي” ويعد أبو جعفر المنصور المؤسس الحقيقي للدولة العباسية التي ظلت خمسة قرون زينة الدنيا، ومركز الحضارة، وموئل الثقافة، وعاصمة العالم، وقد نهض إلى الخلافة بعد أن أصقلته التجارب وأنضجته المحن، وخبر الناس وعاشرهم ووقف على دواخلهم وخلائقهم، وما إن أمسك بزمام الأمور حتى نجح في التغلب على مواجهة صعاب وعقبات توهن عزائم الرجال وتضعف ثبات الأبطال، وتبعث اليأس والقنوط في النفوس، وكانت مصلحة الدولة شغله الشاغل.

 

فأحكمت خطوه وأحسنت تدبيره، وفجرت في نفسه طاقات هائلة من التحدي، فأقام دولته باليقظة الدائمة والمثابرة الدائبة والسياسة الحكيمة، وقد عُرف عن أبي جعفر المنصور أنه كان خليفة يعمل بكد، وجدّ، فهو لم ينغمس في متاع الدنيا من لهو، وسلطة، حيث كان يشغل منصبه، وسلطته للاهتمام بالدولة، وشؤونها، كما أنه كان على علم بقيمة المال، وأهميته، لذا فقد حرص على أن يُنفق المال فيما ينفع الناس، وكان رافضا لتضييع الأموال في غير فائدة، وهذا ما جعل المؤرخين يتهمونه بالبخل، وكما كان المنصور يهتم بالتدقيق على اختيار الوُلاة، حتى يستطيع متابعة كل ولاية في دولته، وكان ينتدب في القضاء، والشرطة من هو أهل لهذه الوظائف، إضافة إلى أنه كان يُحاسب كل من يُقصر في عمله، وقيل أن المنصور أول من أوقع الفتنة.

 

بين العلويين والعباسيين، وكانوا قبل شيئا واحدا، وفي خلافته خرج من سويقة المدينة محمد النفس الزكية، وأخوه إبراهيم، وكانت وفاته بظاهر مكة عند بئر ميمون يوم السبت لليال خلت من ذي الحجة سنة مائه وثمانيه وخمسين من الهجره، وهو محرم، وقد صلى عليه أبنه صالح، ودفن بين الحجون وبين بئر ميمون، وقيل أنه دفن بالحرم الشريف، وقيل أن كان عبد الله يطمع في الخلافة بعد أبي العباس، ولما بويع المنصور لم يوافق على ذلك، فخرج على المنصور في بلاد الشام، فأرسل له المنصور جيشا بقيادة أبي مسلم الخراساني الذي استطاع إلحاق الهزيمة به، وهرب عبد الله، وبقي متخفيا، حتى ظفر به المنصور وسجنه، فمات في السجن، وقيل أن بدأ الجو يصفو لأبي جعفر بعد هزيمة عمه عبد الله في الشام إلا من الإزعاج الذي كان يسببه له.

 

أبو مسلم الخراساني، وبسبب مكانته القوية في نفوس أتباعه، واستخفافه بالخليفة المنصور، ورفضه المستمر للخضوع له، فأبو مسلم يشتد يوما بعد يوم، وساعده يقوى، وكلمته تعلو، أما وقد شم منه رائحة خيانة فليكن هناك ما يوقفه عند حده، وهنا فكر المنصور جديّا في التخلص منه، وقد حصل له ما أراد، فأرسل إلى أبي مسلم حتى يخبره أن الخليفة ولاه على مصر والشام، وعليه أن يوجه إلى مصر من يختاره نيابة عنه، ويكون أقرب من الخليفة وأمام عينيه وبعيدا عن خراسان، حيث شيعته وموطن رأسه، إلا أن أبا مسلم أظهر سوء نيته، وخرج على طاعة إمامه، ونقض البيعة، ولم يستجب لنصيحة أحد، فأغراه المنصور حتى قدم إليه في العراق، فقتله في سنة مائه وسبعه وثلاثين من الهجرة، ولأن مقتل رجل كأبي مسلم الخراساني.

 

قد يثير جدلا كبيرا، فقد خطب المنصور مبينا حقيقة الموقف، فقال أيها الناس، لا تخرجوا من أنس الطاعة إلى وحشة المعصية، ولا تمشوا في ظلمة الباطل بعد سعيكم في ضياء الحق، إن أبا مسلم أحسن مبتدئا وأساء معقبا، فأخذ من الناس بنا أكثر مما أعطانا، ورجح قبيح باطنه على حسن ظاهره، وعلمنا من خبيث سريرته وفساد نيته ما لو علمه اللائم لنا فيه لعذرنا في قتله، وعنفنا في إمهالنا، فما زال ينقض بيعته، ويخفر ذمته حيث أحل لنا عقوبته، وأباح لنا في دمه، فحكمنا فيه حكمه لنا في غيره، ممن شق العصا، ولم يمنعنا الحق له من إمضاء الحق فيه، ونذكر بأن نسب العباسيين الذين تمكنوا من أخذ الخلافة الإسلامية من الدولة الأموية، والعباسيون يُنسبون إلى العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه عم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى