مقال

الخليفة العباسي هارون الرشيد “جزء 1”

الخليفة العباسي هارون الرشيد “جزء 1”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

الخليفة هارون الرشيد، هو أبو جعفر بن المهدي محمد بن المنصور عبد الله بن محمد بن علي ابن عبد الله بن العباس، وهو الخليفة العباسي الخامس، وهو أشهر الخلفاء العباسيين، وقد وُلد هارون الرشيد وترعرع في أحضان عائلة الخلافة ذات الجاه والسلطة، فأبوه هو الخليفة العادل أمير المؤمنين محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور العباسي الهاشمي، كان والد الرشيد رجلا شهما، وفطنا، وعادلا، يطيع الله ولا يخالف سُنة نبيه صلي الله عليه وسلم، أما أم هارون الرشيد فهي أم ولد الخيزران بنت عطاء الجرشية اليمنية، واتصفت أمه بالسمعة الطيبة، والعفة، والفطنة، وكانت تتصدق بجميع دخلها على المحتاجين والفقراء، وأخو الرشيد من أبيه وأمه هو أمير المؤمنين موسى الهادي الذي تولى الحكم بعد أبيه وأخذ عنه صفاته الحسنة.

 

فقد كان كأبيه شجاعا، وكريما، وشهما، وشديدا على الزنادقة، وأخوات الرشيد هن السيدة عليّة بنت المهدي زوجة موسى بن عيسى العباسي، وقد اتصفت عليّة بحسن المظهر والسلوك، والفطنة، والعفة، والظرافة، وكانت من أحب الناس إلى الرشيد، وأخته العباسة بنت المهدي زوجة محمد بن سليمان بن علي بن عبدلله بن عباس، وكانت العباسة شديدة الجمال، واحتلت مكانة كبيرة في قلب الرشيد، وكانت زوجة الرشيد هي بنت عمه زبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر المنصور وأنجبت له محمد الأمين، وتزوج الرشيد أيضا من ابنة عمه الآخر العباسة بنت سليمان بن أبي جعفر المنصور، كما تزوج من عدة نساء أخريات، ومن أولاد الرشيد عبدلله المأمون، ومحمد المعتصم، والقاسم المؤتمن، ومن الجواري محمد، وعلي، وصالح، ومن بناته أم حبيب.

 

وسكينة، وأم محمد، وقد ولد هارون في عام مائة وثمانية وأربعين من الهجرة، وكان مولده بالري حين كان أبوه أميرا عليها وعلى خراسان، وقد نشأ الرشيد في بيت ملك، وقد تم إعداده ليتولى المناصب القيادية في الخلافة، وعهد به أبوه، الخليفة أبو عبد الله محمد المهدي بن جعفر المنصور، إلى من يقوم على أمره تهذيبا وتعليما وتثقيفا، ومنهم الكسائي، والمفضل الضبي، حتى إذا اشتد عوده واستقام أمره، ألقى به أبوه في ميادين الجهاد، وجعل حوله القادة الأكفاء، يتأسى بهم، ويتعلم من تجاربهم وخبراتهم، فخرج في عام مائة وخمسة وستين من الهجره، على رأس حملة عسكرية ضد الروم، وعاد محملا بأكاليل النصر، فكوفئ على ذلك بأن اختاره أبوه وليا ثانيا للعهد بعد أخيه أبو محمد موسى الهادي، وكانت الفترة التي سبقت خلافته يحوطه في أثنائها.

 

عدد من الشخصيات السياسية والعسكرية، من أمثال يحيى بن خالد البرمكي، والربيع بن يونس، ويزيد بن مزيد الشيباني والحسن بن قحطبة الطائي، ويزيد بن أسيد السلمي، وهذه الكوكبة من الأعلام كانت أركان دولته حين آلت إليه الخلافة، ونهضوا معه بدولته حتى بلغت ما بلغت من التألق والازدهار، وكان من أمير الخلفاء واجل ملوك الدنيا وكان كثير الغزو والحج، وكان أبيض طويلا جميلا مليحا فصيحا، وكان يصلي في خلافته في كل يوم مائة ركعة إلى أن مات لا يتركها إلا لعلة ويتصدق من صلب ماله كل يوم بألف درهم فلم يري خلفة يعطي اكثر منه، وكان يبكي على نفسه وعلى إسرافه وذنوبه سيما إذا وعظ وكان يحب المديح ويجيز عليه الأموال الجزيلة، وكان له نظر في العلم والأدب، وكان يحب العلم وأهله ويعظم حرمات الإسلام.

 

ويبغض المراء في الدين والكلام في معارضة النص، وهو أول خليفة لعب بالصوالجة والكرة ورمى النشاب في البرجاس وأول خليفة لعب بالشطرنج من بني العباس، وكان أول من جعل للمغنين مراتب وطبقات، وقد تمت البيعة للرشيد بالخلافة في الرابع عشر ربيع الأول عام مائه وسبعين من الهجره، وذلك بعد وفاة أخيه موسى الهادي، وكانت الدولة العباسية حين آلت خلافتها إليه مترامية الأطراف تمتد من وسط أسيا حتى المحيط الأطلنطي، وكانت معرضة لظهور الفتن والثورات، وكانت تحتاج إلى قيادة حكيمة وحازمة يفرض سلطانها الأمن والسلام، وتنهض سياستها بالبلاد، وكان الرشيد أهلا لهذه المهمة الصعبة في وقت كانت فيه وسائل الاتصال شاقة، ومتابعة الأمور مجهدة، ولولم تكن الفترة التي قضاها الرشيد في خلافة الدولة العباسية هادئة ناعمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى