مقال

الإمام أحمد بن حنبل “جزء 1”

الإمام أحمد بن حنبل “جزء 1”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

الإمام أحمد بن حنبل، هو أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، وهو أحد فقهاء المسلمين، ورابع الأئمة عند أهل السنة، كما أنه صاحب المذهب الحنبلى، وعرف بأخلاقه الحسنة، وتواضعه وصبره واحتماله، وقد ولد في شهر ربيع الأول، سنة مائة وأربع وستين للهجرة في بغداد، في بيت كريم من بيوت بني شيبان في بغداد، وقد وُلد الإمام أحمد بن حنبل في شهر ربيع الأول لسنة مائة وأربعة وستون من الهجرة، الموافق شهر نوفمبر لسنة سبعمائة وثمانون للميلاد، وشاء الله تعالي ألا يرى الوالد رضيعه، فقد توفي قبل مولده، فقامت أمّه برعايته وتنشئته، وحرصت على تربيته كأحسن ما تكون التربية، وعلى تعليمه فروع الثقافة التي كانت سائدة، فحفظ القرآن الكريم، وانكب على طلب الحديث في نهم وحب، يسرع الخطى إلى شيخه.

 

قبل أن يسفر الصباح حتى يكون أول من يلقاه من تلاميذه، حتى إذا شبّ عن الطوق انتقل إلى حلقة أبي يوسف تلميذ أبي حنيفة، وأول من اعتلى منصب قاضي القضاة، وكانت حلقته آية في السمو والرقي، يؤمها طلاب العلم والعلماء والقضاة على اختلاف طبقاتهم ومنازلهم، وقد لزم أحمد بن حنبل حلقة أبي يوسف أربع سنوات، فكتب ما سمعه فيها ما يملأ ثلاثة صناديق، كما لزم حلقة هشيم بن بشير السلمي، شيخ المحدثين في بغداد، ولا يسمع بعالم ينزل بغداد إلا أقبل عليه وتتلمذ له، فسمع من نعيم بن حماد، وعبد الرحمن بن مهدي، وعمير بن عبد الله بن خالد، وعندما مات والده وهو صغير، فاتجه إلى طلب الحديث وفقه الآثار، منذ نعومة أظفاره، ورحل إلى البلدان، واجتمع بالإمام الشافعي وأخذ عنه، قال عنه الإمام الشافعي رحمه الله.

 

“أحمد إمام في ثمان خصال إمام في الحديث، إمام في الفقه، إمام في اللغة، إمام في القرآن، إمام في الفقر، إمام في الزهد، إمام في الورع، إمام في السنة” وكان أحمد بن حنبل واحدا من أئمة الهدى الذين ازدانت بهم القرون الهجرية الأولى، يلوذ بهم الناس حين تدلهم بهم الطرق، وتتشعب بهم السبل، فلا يجدون إلا يدا حانية، ونورا هاديا يأخذهم إلى جادة الطريق، ويلقي بهم إلى بر النجاة، وينظر الناس إليهم فيجدون دينهم فيهم، وخلقهم وآدابهم ماثلة بين أيديهم، وسنة نبيهم حية ناطقة، كأن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لا يزال حيا بين ظهرانيهم، وأصحابه المهديين يعيشون بينهم، فيطمئنون إلى سلامة المنهج، وصدق التطبيق، وكانت حلقاتهم في ساحات المسجد منازل للوحي ومجامع للأفئدة، وملجأ للعقول، يتحلق حولهم تلاميذهم.

 

ومن يرغب في سماع تفسير آية أو بيان حديث، أو طلب فتوى، ينزلهم الناس من أنفسهم المحل الأسمى، ويقتدون بهديهم كمن يطلب النجاة لنفسه من خطر داهم، ويستقبلونهم بالبشر والترحاب أينما حلوا كما يُستقبل القادة والفاتحون، وبدأ الإمام أحمد بن حنبل رحلته الميمونة في طلب الحديث سنة مائة وستة وثمانون من الهجرة، الموافق سنه ثماني مائة واثنين ميلادى، وهو في الثانية والعشرين من عمره، واتجه إلى البصرة، والكوفة والرقة، واليمن، والحجاز، والتقى بعدد من كبار علماء الأمة وفقهائها العظام، من أمثال يحيى بن سعيد القطان، وأبي داود الطيالسي، ووكيع بن الجراح، وأبي معاوية الضرير، وسفيان بن عيينة، والشافعي الذي لازمه ابن حنبل وأخذ عنه الفقه والأصول، وكان يقول عنه الإمام الشافعي ما رأيت أحدا أفقه في كتاب الله من هذا الفتى القرشي.

 

وكان شغف ابن حنبل بطلب الحديث يجعله يستطيب كل صعب، ويستهين بكل مشقة، لم تمنعه إمامته وعلو قدره من الاستمرار في طلبه العلم، ولا يجد حرجا في أن يقعد مقعد التلميذ بعد أن شهد له شيوخه أو أقرانه بالحفظ والإتقان، يراه بعض معاصريه والمحبرة في يده يسمع ويكتب، فيقول له يا أبا عبد الله، أنت قد بلغت هذا المبلغ وأنت إمام المسلمين، فيكون جواب الإمام مع المحبرة إلى المقبرة، وكان الإمام أحمد على موعد مع المحنة التي تحملها في شجاعة، ورفض الخضوع والتنازل في القول بمسألة عمّ البلاء بها، وحمل الخليفة المأمون الناس على قبولها قسرا وقهرا دون دليل أو بيّنة، وتفاصيل تلك المحنة أن الخليفة العباسي المأمون أعلن في سنة مائتان وثماني عشر من الهجرة، دعوته إلى القول بأن القرآن مخلوق كغيره من المخلوقات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى