مقال

هارون الرشيد وحادثة البرامكة “جزء 9”

هارون الرشيد وحادثة البرامكة “جزء 9”

بقلم / محمــــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء التاسع مع هارون الرشيد وحادثة البرامكة، قال لا سبيل إلى ذلك أيضا قال فتوقف عني ساعة، وارجع إليه، وقل له قد فرغت مما أمرتني به فقبل منه ذلك بعد أن حل سيفه ومنطقته وأخذهما، ومضى مسرور، ووقف بين يدي الرشيد فرآه غاضبا أشد الغضب، فلما رآه قال متلهفا ماذا فعلت بأمر جعفر؟ قال يا أمير المؤمنين أنفذت أمرك فيه، قال الرشيد فأين رأسه؟ قال في القبة قال فأتني برأسه الساعة، ورجع مسرور وقال لجعفر قد أمرني أمير المؤمنين بضرب عنقك، فرجع مسرور، وجعفر يصلي، فسلّ سيفه الذي أخذه منه، وضرب عنقه، وأخذ رأسه بلحيته، وطرحه بين يدي أمير المؤمنين، فتنفس الصعداء لأنه أنفذ تدبيره الذي أحكمه، وبكى بكاء شديدا على الصداقة الوثيقة التي كانت بينهما، وجعل ينكث الأرض، وقبض على أبيه وأخيه وجميع أولاد البرامكة.

 

وغلمانهم ومواليهم، واستباح ما عندهم، ووجّه مسرورا إلى المعسكر فأخذ جميع ما فيه من مضارب وخيام وسلاح، وقد أحصوا من قتله الرشيد من غلمانهم ومواليهم بنحو ألف إنسان، وأمر أن لا يرجع أحد من صنائعه إلى وطنه خوف أن يشبوا ثورة، وشتت شمل من بقي في البلاد، وقد جاء بصبيين كانا ولدي جعفر، وكانا حسنين جميلين، فاستنطقهما فوجدهما فصيحين يتكلمان بلغة مدنية جميلة، وينطقان بفصاحة هاشمية، ثم أمر بضرب عنقهما، وأمر أن لا تذكر البرامكة في مجلسه، ولا يستعان بمن بقي منهم في بغداد، ولكن زبيدة والفضل بن الربيع وغيرهما لم يطمئنوا إلى ذلك، ويحيى باقي والفضل يعيش، فإذا خرجا من السجن فربما دبرا الانتقام ممن كان السبب، فدسوا وخصوصا زبيدة ورقة تحت مصلى الرشيد، وفيها مدح للرشيد على عمله مع البرامكة، وتحريض على المضي في هذه السبيل إلى آخرها.

 

فشدد على يحيى وكان شيخا كبيرا وزاد في حديده وأغلاله، وأمر بإحضار الفضل، وضربه سياطا حتى كاد أن يهلكه، ولقد تعددت الأسباب التي أدت لحدوث نكبة البرامكة، وأدت مجتمعة لحادثة مقتل جعفر بن يحيى، فيقول الطبري أن الرشيد حج في سنة مائة وست وثمانون من الهجرة، وأنه انصرف من مكة فوافى الحيرة في المحرم من سنة مائة وسبع وثمانون من الهجرة، عند انصرافه من الحج، فلما كان ليلة السبت لانسلاخ المحرم أرسل مسرورا الخادم، ومعه حماد بن سالم أبو عصمة في جماعة من الجند، فأطافوا بجعفر بن يحيى ليلا، ودخل عليه مسرور وعنده ابن بختيشوع المتطبب، وأبو زكار الأعمى المغني الكلوذاني، وهو في لهوه فأخرجه إخراجا عنيفا يقوده حتى أتى به المنزل الذي فيه الرشيد، فحبسه وقيده بقيد حمار، وأخبر الرشيد بأخذه إياه ومجيئه به، فأمر بضرب عنقه.

 

ففعل ذلك، وأمر الرشيد في تلك الليلة بتوجيه من أحاط بيحيى بن خالد وجميع ولده ومواليه، ومن كان منهم بسبيل، فلم يفلت منهم أحد كان حاضرا، وحول الفضل بن يحيى ليلا فحبس في ناحية من منازل الرشيد، وحبس يحيى بن خالد في منزله، وأخذ ما وجد لهم من مال وضياع ومتاع وغير ذلك، ومنع أهل العسكر من أن يخرج منهم خارج إلى مدينة السلام أو إلى غيرها، ووجه من ليلته رجاء الخادم إلى الرقة في قبض أموالهم وما كان لهم، وأخذ كل ما كان من رقيقهم ومواليهم وحشمهم، وولاه أمورهم، وفرق الكتب من ليلته إلى جميع العمال في نواحي البلدان والأعمال بقبض أموالهم، وأخذ وكلائهم، فلما أصبح بعث بجثة جعفر بن يحيى مع شعبة الخفتاني وهرثمة بن أعين وإبراهيم بن حميد المروروذي، وأتبعهم عدة من خدمه وثقاته، منهم مسرور الخادم إلى منزل جعفر بن يحيى.

 

وإبراهيم بن حميد وحسين الخادم إلى منزل الفضل بن يحيى، ويحيى بن عبد الرحمن ورشيد الخادم إلى منزل يحيى ومحمد بن يحيى، وجعل معه هرثمة بن أعين، وأمر بقبض جميع ما لهم، وكتب إلى السندي الحرشي بتوجيه جيفة جعفر إلى مدينة السلام، ونصب رأسه على الجسر الأوسط وقطع جثته، وصلب كل قطعة منها على الجسر الأعلى والجسر الأسفل، ففعل السندي ذلك، وأمضى الخدم ما كانوا وجهوا فيه، وحمل عدة من أولاد الفضل وجعفر ومحمد الأصاغر إلى الرشيد، فأمر بإطلاقهم، وأمر بالنداء في جميع البرامكة أن الأمان في محمد بن خالد وولده وأهله وحشمه فإنه استثناهم، لما ظهر من نصيحة محمد له، وعرف براءته مما دخل فيه غيره من البرامكة، وخلى سبيل يحيى قبل شخوصه من العمر، ووكل بالفضل ومحمد وموسى بني يحيى، وبأبي المهدي صهرهم حفظة من قبل هرثمة بن أعين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى