مقال

الدكرورى يكتب عن الإمام الحاكم النيسابوري. 

الدكرورى يكتب عن الإمام الحاكم النيسابوري.

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

إن العلم هو حياة للقلوب وأنه بالعلم ينشرح صدر الإنسان ويشعر صاحبه بالاطمئنان في هذه الحياة، وكلما أزداد علما أزداد انشرح صدره واتسع، والعلم هو السلاح القوي الذي يعيد لنا ديننا وأرضنا وثقافتنا وعزتنا، والعلم أرض خصبة لإنبات رجال يعرفون ما لهم وما عليهم، والعلم نور يستضيء به الناس ويهتدون به، والجهل ظلمة يجر الناس إلى الهلاك والعلم يدعو إلى الحكمة والتأني، والجهل يدعو إلى العجلة والاستعجال وسنتكلم عن إمام من الأئمه العظماء ألا وهو الإمام الحاكم راوى الحديث الشريف، وهو محمد بن عبد الله بن حمدون أو قيل حمدويه ابن نعيم بن الحكم الضبي النيسابوري، أبو عبد الله، الشهير بالحاكم النيسابوري، والمعروف بابن البيّع، وقد ولد بنيسابور سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة من الهجرة.

 

ورحل إلى العراق سنة ثلاثمائة وواحد واربعين من الهجرة، وجال في بلاد خراسان وما وراء النهر، وفي سنة ثلاثمائه وتسع وخمسين من الهجرة قد تولي قضاء نيسابور، وتم تلقيبه بالحاكم لتوليه القضاء مرة بعد مرة، ثم اعتزل منصبه ليتفرغ للعلم والتصنيف، وقد تولى السفارة بين ملوك بني بويه والسامانيين، فأحسن السفارة، وكان أول سماعه سنة ثلاثين وثلاثمائة، فقد سمع الكثير، وطاف الآفاق، وصنف الكتب الكبار والصغار، وأخذ عن نحو ألفي شخص، والمستدرك على الصحيحين، وهو الكتاب الذي جمع فيه الأحاديث التي استدركها على الصحيحين مما فاتهما على شرطه، وهو أشهر المستدركات، وكتاب المستدرك على الصحيحين، للإمام الحاكم النيسابوري يعد من كتب الحديث المهمة نظرا لمكانة الإمام الحاكم الذي صنفه وما يتميز به من علم وفضل واجتهاد.

 

كما أنه جمع فيه الأحاديث التي لم يضمها الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما وكانت على شرطهما أو شرط أحدهما، وقال عنه الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية “وكان من أهل العلم والحفظ والحديث وقد كان من أهل الدين والأمانة والصيانة والضبط والتجرد والورع” وتوفي الإمام الحاكم في بلده بمدينة نيسابور في ثلاثه من صفر لعام ربعمائه وخمسه هجريا عن أربعة وثمانين سنة، وقيل فى قصة وفاته “روى أبو موسى المديني أن الحاكم دخل الحمام، فاغتسل، وخرج، وقال آه، وقبضت روحه وهو متزر لم يلبس قميصه بعد، ودفن بعد العصر يوم الأربعاء، وصلى عليه القاضي أبو بكر الحيري، وهكذا فإن العلماء هم ورثة الأنبياء فيما جاءوا به، فهم قد ورثوا منهم العلم لما ورد عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال.

 

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “وإن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر” فالعالم يأخذ مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يفرق بين النبي وبين العالم إلا درجة النبوة، فيا لها من مكانة، ويا له من فضل، ويا له من تشبيه لهذا الذي يحمل العلم، والعلماء هم أرقى الناس منزلة في الدنيا قبل الآخرة، وأحق الناس أن تتطلع لما عندهم الأعناق، بل الغبطة تكون على هؤلاء، فإنهم هم العدول الحقيقيون، وجميع ما ذكر في فضيلة العلماء إنما هو في حق العلماء الربانيين المتقين, الذين قصدوا بعلمهم وجه الله الكريم، فكانوا أحق الناس بالمحبة والتعظيم والتوقير بعد الله، وبعد رسوله صلى الله عليه وسلم لأن العلم ميراث الأنبياء، والعلماء ورثته، ومحبة العالم تحمل على تعلم علمه واتباعه.

 

والعمل بذلك دين يدان به، فتعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عباده، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه من لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة، فإن العلم مروءة من لا مروءة له، ومن أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الأخرة فعليه بالعلم، وإن العلم يجعلنا نعبر عما في أنفسنا بطريقة سامية ويهذب نفوسنا وينير أعماقنا فنشفى من أمراضنا وهو طريق الهامنا، نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يحفظ لنا علماءنا، وأن يطيل في أعمارهم، وأن يردنا إلى دينه مردا جميلا إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، والحمد لله رب العالمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى