مقال

الإمام مسلم بن الحجاج ” جزء 2″

الإمام مسلم بن الحجاج ” جزء 2″

بقلم / محمــد الدكــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع الإمام مسلم بن الحجاج، وقد اتصف الإمام مسلم بجميل الصفات والأخلاق، فقد كان ذا نشاط كبير، وهمة عالية، وصبر دؤوب في طلب العلم وتحصيله، حتى إنه كان يبحث ليلة كاملة عن حديث حتى يجده، وكان يحب مساعدة الناس، وتفريج كروبهم وتيسير أمورهم حتى تم تلقيبه بمُحسن نيسابور، وكان كريم النفس، يتعفف عما في أيدي الناس فلا يقبل صدقة من أحد، وكان حسن الخلق، كثير العبادة، غزير العلم، متجنبا للشبهات، وفيَّا شجاعا لا يخشى في الله لومة لائم، يقف مع الحق حيث كان، وتجلى ذلك في وقوفه مع الإمام البخاري ضد خصومه ذوي القوة والسلطان، وكان الإمام مسلم كامل القامة، أبيض الرأس واللحية، جميل الوجه، حسن الثياب، صاحب وقار، وكان يلبس عمامة على رأسه ويجعل طرفها بين كتفيه.

 

وقال أبو قريش الحافظ، سمعت محمد بن بشار يقول “حُفاظ الدنيا أربعة أبو زرعة بالري، ومسلم بنيسابور، وعبد الله الدارمي بسمرقند، ومحمد بن إسماعيل ببخارى” ونقل أبو عبد الله الحاكم أن محمد بن عبد الوهاب الفراء قال “كان مسلم بن الحجاج من علماء الناس، ومن أوعية العلم” وقال الحافظ أبو علي النيسابوري “ما تحت أديم السماء أصحّ من كتاب مسلم في علم الحديث” وقال عنه صاحب أبجد العلوم “والإمام مسلم بن الحجاج القشيري البغدادي أحد الأئمة الحفاظ، وأعلم المحدثين، إمام خراسان في الحديث بعد البخاري” وقال أحمد بن سلمة “رأيت أبا زرعة وأبا حاتم يقدمان الامام مسلم، في معرفة الصحيح على مشايخ عصرهما” وكانت من كلمات الإمام مسلم الخالدة، هى قوله للإمام البخاري “دعني أقبّل رجليك يا أستاذ الأستاذين، وسيد المحدثين، وطبيب الحديث في علله”

 

وقد جمع العلماء على جلالة قدره وإمامته، وتفوقه في صنعة الحديث وتضلعه منها وتفننه في تنظيم الأحاديث وترتيبها، كما يظهر من كتابه الصحيح الذي لم يوجد مثله في حسن الترتيب وتلخيص طرق الحديث من غير زيادة ولا نقصان، والاحتراز من التحول في الأسانيد عند اتفاقها من غير زيادة، وتنبيهه على ما في ألفاظ الرواة من اختلاف في متن أو إسناد ولو في حرف، وكذلك اعتنائه بالتنبيه على الروايات المصرحة بسماع المدلسين، وغير ذلك مما هو معروف في كتابه فهو أحد أعلام الحديث، وأهل الحفظ والإتقان، والرحّالين في طلبه إلى أئمة الأقطار والبلدان، والمعترف له بالتقدم فيه، من غير خلاف عند أهل الحذق والعرفان، ولا يستغني عالم عن الرجوع إلى كتابه والاعتماد عليه في كل زمان، وقد عاش الإمام مسلم خمس وخمسين سنة.

 

وكانت قصة وفاة الإمام مسلم غريبة ودالة على مدى اهتمامه بالعلم، فيذكر في وفاته أنه توفي الإمام مسلم في الخامس والعشرين من شهر رجب عشية يوم الأحد، سنة مائتين وإحدى وستين للهجرة، عن عمر يناهز خمس وخمسين سنة، وقيل في سبب وفاة الإمام مسلم رحمه الله، أنه كان في مجلس مذاكرة له، فذكر أحد الجالسين له حديثا لم يعثر عليه، فأصابه غم لعدم عثوره على الحديث، فرجع إلى بيته، وأنار السراج، وأغلق على نفسه يبحث عن الحديث ويأكل التمر حتى أكل سلة دون أن ينتبه على نفسه، وبسبب ذلك ثقل ومرض، وتوفي ودفن في مدينة نيسابور، رحمه الله رحمة واسعة، وجزاه عن المسلمين خير الجزاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى